بسيونى الحلوانى
فضيلة الإمام..لا تلتفت لهذه الصغائر
يزعجني ويزعج كل غيور علي مصر وأزهرها صاحب المكانة المرموقة عالمياً وتاريخياً إسفاف البعض في الكلام علي الأزهر وشيخه الدكتور أحمد الطيب. وكلما قرأت عبارات مسفة ضد الشيخ قفز إلي ذهني صورة تكرم الطيب في كل البلاد العربية التي زارها. وتتجسد أمامي صورة الشيخ عبد بن زايد وزير خارجية الإمارات وهو يشب عالياً لتقبيل رأس شيخ الأزهر في حفل عام في مدينة أبوظبي منذ شهور قليلة وشاهده الملايين عبر وسائل الإعلام المختلفة.
هذه هي مكانة الأزهر وتلك الصورة اللائقة بشيخه ولا يجوز أبداً أن يكرم علماء الأزهر وشيوخه في كل مكان يذهبون إليه خارج مصر.. ثم نتعامل نحن معهم في مصر بإسفاف.. وسوء أدب أحياناً.
أقول هذا بعد أن صدمت منذ أيام بمقال في جريدة خاصة لها اسمها لكاتب عليه علامات استفهام كثيرة ولا يعرف شيئاً عما يحدث في الأزهر وبعدم وعي برسالة الأزهر ودوره فوجه سهاماً طائشة هنا وهناك تؤكد أننا في مصر "أساتذة" في الإساءة للحريات وفي مقدمتها حرية الرأي.
كلمات الكاتب المغمور والتي انتقد فيها الأزهر وشيخه لم تحمل منطقاً ولم تستند إلي أدلة وبراهين. بل هي مجموعة من العبارات الركيكة التي لا ترقي لمخاطبة رجل يقود أكبر وأعرق مؤسسة إسلامية في العالم.
***
وهنا نطرح سؤالاً مهماً: هل شيخ الأزهر أو غيره من كبار العلماء الذين يتولون مسئوليات عامة في المؤسسات الإسلامية فوق النقد؟
بالتأكيد.. شيخ الأزهر د.أحمد الطيب أو غيره من العلماء ليسوا معصومين من الخطأ. كما أنهم ليسوا فوق النقد. فمن حق كل أصحاب الرأي أن ينتقدوا أوضاعاً يرونها لا تليق باسم الأزهر. وذلك بهدف الإصلاح والتغيير والتحول للأفضل.. لكن المزعج جداً أن يتحول النقد الموضوعي إلي حملة إسفاف تؤدي في النهاية إلي تلويث سمعة الأزهر وإضعاف الثقة به. فهذا يحقق أهداف الجماعات المتطرفة التي لعبت علي وتر إفساد العلاقة بين جماهير المسلمين وبين الأزهر وعلمائه لكي ينفذوا بأفكارهم المسمومة إلي عقول الناس وقلوبهم.. كما أنه يحقق أهم أهداف الجماعة الإرهابية التي أخذت علي عاتقها تحجيم رسالة الأزهر وتشكيك المسلمين وغير المسلمين في مصداقيته منذ قيام ثورة يناير وحتي اليوم.. وما فعله رموز الجماعة الإرهابية مع شيخ الأزهر واقتحام مكتبه عدة مرات يؤكد أن الأزهر كان ولا يزال أحد أهم أهداف الجماعة الإرهابية.
النقد البناء للأزهر مفيد ومباح ومشروع لا شك في ذلك خاصة أن الأزهر لا يزال يعاني من رواسب إهمال الدولة لتطويره والارتقاء به. ومحاولاتها المستمرة فرض سطوتها عليه.. لكن هجوم بعض الإعلاميين في الفضائيات والصحف الخاصة غير موضوعي وبالتالي فهو غير مفيد بل يأتي بنتائج سيئة فكثير من المهاجمين للأزهر لا يعرفون شخصية الطيب ولا يدركون طريقة إقناعه بأن بعض معاونيه يحتاجون إلي إعادة نظر.
***
من حقنا نحن الإعلاميين أن ننتقد الأزهر بهدف الإصلاح والتغيير دون أن نعطي الفرصة للعقول والأيادي العابثة والآثمة لكي تلعب في سمعة الأزهر ومكانته.. فالإعلام الحر لا يلقي الغبار علي كل ما هو جميل ومشرف وعريق ومبهر في مصر. والأزهر أكبر كيان إسلامي في العالم يعتز به المسلمون ويقدره ويحترمه غير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.. وهو أحد أركان الدولة المصرية التي يجب أن نحافظ عليها ونحميها من موجات الإسفاف التي تستهدف إضعاف الثقة بالدولة المصرية كلها.
بالتأكيد.. لدينا نحن الإعلاميين ملاحظات علي بعض قيادات الأزهر ونري ضرورة التخلص منها حرصاً علي اسم الأزهر ومكانته وتاريخه وصورته.. وعلينا أن نحسن تقديم النصيحة لشيخه دون أن تتحول "النصيحة" إلي "فضيحة".. فشيخ الأزهر زاهد في منصبه ومستعد للتضحية به لو حاولت جهة ما فرض شيء عليه وهذا الأمر يجب أن يعلمه الجميع.
لا ينبغي أن يتورط أحد من زملائنا الإعلاميين في الإساءة للأزهر حتي ولو كانوا يرون أن استمرار بعض قياداته في مناصبهم لا يحقق الإصلاح الذي يستهدفونه. فالتغيير يحتاج إلي حكمة والهجوم العنيف الذي يمارسونه الآن يؤدي إلي العناد وهنا لن يتحقق الإصلاح ولا التغيير الذي نسعي إليه.
***
علينا أن نعترف أن شيخ الأزهر استطاع خلال السنوات الماضية أن يجمع المصريين باستثناء عناصر الجماعة الشاردة حول الأزهر فذهب المثقفون والمبدعون ومن يطلقون عليهم القوي السياسية والوطنية إلي الأزهر وتحاوروا مع شيخه وخرجوا بانطباعات جيدة عنه وأشادوا بجهوده في محاولة جمع شتات المصريين في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد.
علينا أن نشهد لشيخ الأزهر أيضا أنه استطاع أن يستعيد ثقة إخواننا العرب في الأزهر وأن يحقق له مكاسب بشكل كريم وما تقدمه السعودية والإمارات من دعم مادي لمنشآت الأزهر وطلابه خير شاهد علي ذلك.
يحسب للدكتور الطيب أنه فرض احترام الأزهر ككيان علمي وسطي علي قادة الدول العربية وشعوبها.. كما تحسنت كثيراً صورة الأزهر في نظر قادة الدول الغربية خلال السنوات الأخيرة والدليل علي ذلك توافد كبار المسئولين في هذه الدول وحرصهم علي زيارة شيخ الأزهر.
كل هذا يفرض علينا نحن الإعلاميين أن نعالج ما نراه سلبياً في الأزهر بهدوء وحكمة بعيداً عن النقد الجارح والتشويه العشوائي للأزهر ورموزه.
اصبر يا فضيلة الإمام لا تلتفت للصغائر وأكمل رسالتك في إصلاح الأزهر وتطويره.