الأهرام
أحمد هوارى
الميليشيات التى مزقتنا
قبل أشهر قريبة ماضية.. وقف محارب بشمركة كردى بجانب مقاتل من الحشد الشعبى العراقى يأخذان من داعش ثأر عامين من الرعب والقتل والاغتصاب والتشريد ومشاهد الإعدام المخيفة.. اليوم.. يقف ذات المحارب البشمركة الكردى فى جبهة.. وفى مواجهته مقاتل الحشد الشعبى العراقى .. على الجبهة المضادة.. يحارب كل منهما الآخر.. لا فارق بين المشهدين سوى أشهر قريبة ماضية. ما هذه الصورة إلا مثل لمئات الصور الأخرى المتواترة يوميا.. من العراق لسوريا لليبيا لليمن..فى فوضى ميليشيات كبرى تمزق واقعنا العربى الراهن.. مسلسل دموى لم يزل يحمل المزيد من حلقات الصراع.. وها هى الحرب على داعش ماكادت تنتهى حتى اندلعت حرب الميليشيات على أشدها.. فما الأسباب؟.. وإلى أين نمضي؟

فى بلاد الرافدين.. تشكلت ميليشيا الحشد الشعبى عام 2014 بفتوى جهاد من المرجعية الأعلى الشيعى على السيستانى لمحاربة داعش.. سرعان ما دخلت على الخط إيران بأطماعها التوسعية القائمة على المذهب.. أمدت الميليشيا بالكوادر والسلاح.. تعملق الحشد سريعا فى كنف الدولة العراقية ليصل عدده إلى أكثر من 190 ألف مقاتل وأكثر من 70 فصيلا محاربا.. جماعة مسلحة منظمة تم حشدها وبناء عقيدتها على أساس المذهب.. قاتلت داعش باستماتة مع صفوف الجيش العراقى تحت لواء واحد هو القوات العراقية.. وما كان من حكومة بغداد إلا أن سعت لشرعنتها باعتبارها فصيلا فى القوات المسلحة.. ولكن يظل الخطر.. لم تزل جماعة مسلحة «شبه نظامية».. ولم تزل موطئا للقدم الإيرانية أينما حلت بأرجاء العراق.. ولم تزل عقيدتها وأساس نشأتها محفزا رئيسيا للصراعات المقبلة.

قبل يوم من دخول القوات العراقية لكركوك.. كان القيادى البارز بالحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى فى الصفوف الأمامية بالجبهة داخل العمق العراقي.. يجهز العمليات ويصف الصفوف.. وطن الملالى يتسع حتى مواطئ أقدامهم.. ونفوذهم يتمدد متشعبا فوق أكتاف جماعاتهم المسلحة.

فى جنوب لبنان الساحر بوديانه وجباله.. ومن رحم الحرب الأهلية اللبنانية فى ثمانينيات القرن الماضي.. تكونت ميليشيا حزب الله الشيعية.. مستلهمة مبادئ الثورة الإيرانية.. تبنتها طهران بالولاية والسلاح والمذهب.. ظلت قوة سلاح حزب الله الأعلى يدا فى لبنان طيلة عقود.. وباءت كل محاولات تفكيك سلاح الجماعة بالفشل.. حتى اندلعت الأحداث فى سوريا.. تجاوزت الميليشيا الحدود وتمترست حول دمشق تساند الرئيس بشار الأسد.. لم يدخل لبنان حربا كما حزب الله لم يحارب للبنان.. إنما هى مشيئة الولى الفقيه.. ومقتضيات المذهب.. ونداء الواجب الإلهي.

فى شمال العراق حيث مفاتن الطبيعة تتجلى فى خيلاء بمدن كردستان.. ظلت البشمركة جماعة الأكراد المسلحة الحامية عبر عشرات السنين.. ميليشيا عقيدتها الطائفة ودستورها العرق الكردي.. قاتلت مع الجيش العراقى أحيانا وضده أخرى.. تفاعلات قاسية عبر تاريخ دام طويلا تمخضت عن الوضع الحالي.. إقليم بأغلبية كردية فى الشمال يحظى بالحكم الذاتى وله جماعته المسلحة.. ما الخطوة المنطقية التالية؟.. بالضبط.. الدعوة للانفصال.. وكان ما كان بالاستفتاء.. استرد البشمركة أراضيهم التى غزاها داعش فى عمليات مشتركة مع الجيش العراقي.. وهاهم البشمركة يقاتلون دفاعا عن انفصال «عرقهم».. يواجههم الحشد دفاعا عن هيمنة «مذهبهم».. والعراق ممزق بين الميليشيات.. وسوريا ليست بحال أفضل.

تذكر دائما أنه فى كل ما سبق لم يرد ذكر جماعات الإرهاب المسلح.. أحدثك عن كتائب منظمة مسلحة مدربة موحدة العقيدة.. تتخذ منها الدول الساعية للهيمنة والشرذمة وسيلة لفرض النفوذ بالقوة.. بولاية المذهب أحيانا.. وبحكم العرق أحيانا أخرى.

حزب الله فى لبنان وسوريا.. البشمركة فى كردستان العراق.. وحدات حماية الشعب فى أقاليم سوريا ذات الأغلبية الكردية.. الحشد الشعبى فى العراق.. الحوثيون فى اليمن.. فجر ليبيا فى ليبيا.. جماعات مسلحة عقيدتها عابرة للوطن واصلة للعرق والمذهب.. ميليشيات لن يغير من شرعيتها أن حاربت ضد الإرهاب أو إسرائيل أو بجانب الجيوش النظامية.. ستظل ميليشيات.. وسيبقى تناحرها العابر للحدود عامل الفوضى الرئيسى بالمنطقة.. وسيبقى ذلك اليوم البعيد الذى يراود الأحلام.. يوم أن تضع حروبنا العربية أوزارها.. ذلك الذى لن يأتى مالم تضع الميليشيات أسلحتها.. وتحتكر دولنا الوطنية قوتها المسلحة.. بلا عرق ولا مذهب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف