الدستور
ماجد حبته
برلمان «عبدالعال» يحمى اللغة العربية!
أحب اللغة العربية جدًا، ولو اضطررت إلى استخدام كلمات «عامية» أضعها بين علامتي تنصيص. ومع ذلك ارتعدت فرائصي وسابت مفاصلي، حين عرفت أن تلك الكلمات قد تضعني تحت طائلة قانون أعد مشروعه مجمع اللغة العربية، ومن المنتظر أن يناقشه مجلس النواب الذي يرأسه الدكتور علي عبدالعال!.

لم أفاجأ بمشروع القانون، وأعرف منذ شهور أن المجمع يقوم بإعداده.

في ١٩ ديسمبر الماضي، وخلال احتفال مجمع اللغة العربية باليوم العالمي للغة الضاد، ألقى الدكتور حسن الشافعي، رئيس المجمع، محاضرة عنوانها «مشروع العام.. قانون حماية اللغة العربية» طالب فيها بضرورة إصدار القانون. كما سبق أن طالب الدكتور محمود الربيعي، نائب رئيس مجمع اللغة العربية، البرلمان بضرورة الإسراع في إصدار القانون، في اجتماع عقدته لجنة الشئون العربية بمجلس النواب، في ٥ يناير الماضي، قيل إن هدفه- هدف الاجتماع- هو بحث مشكلات اللغة العربية، وكيفية النهوض بها!.

أرى ابتسامة خبيثة على وجهك، سأتجاهلها مدعيًا أنني «مش واخد بالي»، لأضيف أن مشروع القانون تم الإعلان عنه أيضًا في الدورة الثالثة والثمانين للمؤتمر الدولي السنوي لمجمع اللغة العربية، التي أقيمت في ٢٤ أبريل الماضي، وأعلن الدكتور الشافعي، خلال الجلسة الافتتاحية، أن البند الرابع من خطة عمل المجمع المستقبلية هو مطالبة الأغلبية لدى مجلس النواب بتبني هذا المشروع وإقراره. وأشار إلى وجود بند فيه يشترط اجتياز كل من يُرشَّح لتولّي الوظائف العامة لامتحان أطلق عليه اسم «الامتحان الدولي للكفاءة اللغوية».

بهذا الشكل، لم أفاجأ حين وصلتني، مساء الأربعاء، نسخة من مشروع قانون حماية اللغة العربية (٢١ مادة في ٦ صفحات) مع المذكرة الإيضاحية للمشروع (٨ صفحات). ولم أندهش حين عرفت أن مشروع القانون تمت مناقشته في قطاع التشريع بوزارة العدل يوم الأحد الماضي، ٨ أكتوبر. لكن فاجأني وأدهشني أن تخلو مواد القانون من أي ذكر لـ«الامتحان الدولي للكفاءة اللغوية» الذي قال رئيس المجمع إن «كل من يُرشّح لتولّي الوظائف العامة» عليه اجتيازه. فقط، وجدت المادة ١٣ توجب أن «يجتاز كل مرشح للعمل في وظيفة مدرس في التعليم العام أو الفني بأنواعه والمرشح للعمل عضو هيئة تدريس في الجامعات والمعاهد العليا الحكومية والمرشح للعمل مذيعًا أو معد برامج أو محررًا في أي مؤسسة إعلامية امتحان كفاية في اللغة العربية».

غير هذه المادة، توقفت طويلًا أمام المادتين ١١ و١٢ والفقرة الثالثة من المادة ١٠ التي نصت على أن «المناقشات والمداولات في المؤتمرات والمداولات في المؤتمرات والندوات وورش العمل وسائر الاجتماعات التي تعقد في مصر يجب أن تكون باللغة العربية، فإذا كان بعض المشاركين لا يحسنها، تعين أن توفر الجهة المنظمة للاجتماع ترجمة فورية من العربية وإليها». أما المادة ١١ فنصت على أنه «يجب أن يحرص القادة والمسئولون والسياسيون والدعاة والمعلمون والمحاضرون والمتحدثون في وسائل الإعلام من المذيعين ومقدمي البرامج والضيوف على التحدث بلغة عربية سليمة سهلة». بينما ألزمت المادة ١٢ المؤسسات الصحفية والإعلامية بعدم نشر مقالات أو أخبار أو غيرها باللهجة العامية «فيما عدا الأعمال ذات الطابع الأدبي».

مرة أخرى، سأتجاهل الابتسامة الخبيثة الساخرة التي أراها على وجهك، وسأحاول «الغلوشة» عليها بلفت نظرك إلى أن المذكرة الإيضاحية أو التفسيرية لم توضح ولم تفسر المقصود بـ«الأعمال ذات الطابع الأدبي والفني» واكتفت بالإشارة إلى أن «من أبرزها شعر العامية المصرية باعتباره فنًا راقيًا قديمًا عبّر به شعراؤه عن آمال الأمة وآلامها وتطلعاتها عبر مسيرتها الطويلة، والأصل أن يُحرص على هذا الفن وتبذل الجهود لرفع مستوى الممارسين له».

باستثناء المادتين ١٠ و١١ فإن مشروع القانون يكاد يتطابق مع القانون الأردني، الصادر في سبتمبر ٢٠١٥، الأمر الذي يجعلني أقول إن واضعي القانون الأردني كانوا أكثر ذكاءً بتجنيب أنفسهم حرج استثناء «القادة والمسئولين والسياسيين» من العقاب أو الغرامة التي تراوحت هناك بين ١٠٠٠ دينار و٣٠٠٠ دينار (ما يعادل ١٤٠٠ و٤٢٠٠ دولار). ولو عدت إلى المادة ١٩ (في مشروع القانون المصري) ستجد أن المادتين ليستا بين المواد المنصوص على معاقبة من يخالف أحكامها: «يُعاقب كل من يخالف أحكام المواد: 1 و2 و3 و4 و5 و6 و7 و8 و12 و14 و15 و18 غرامة مالية لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تجاوز خمسين ألف جنيه... إلخ».

ما زلت أرى الابتسامة الخبيثة الساخرة مستقرة على وجهك، وأتفق معك تمامًا، في أنها ستكون نكتة الموسم وكل المواسم، أن يناقش برلمان يرأسه الدكتور علي عبدالعال مشروع قانون كهذا. وأحيلك، مثلًا، إلى تقرير نشرته مجلة «الأهرام العربي»، في ٩ أكتوبر الماضي، لزميلنا مصطفى حمزة، رصد فيه أخطاء رئيس البرلمان اللغوية، خلال الكلمة التي ألقاها في الاحتفالية المقامة بمناسبة مرور ١٥٠ عامًا على تأسيس مجلس النواب: ١٦٥ خطأ، بمعدل ٩ أخطاء لكل دقيقة. مع ملاحظة أن زميلي الطيب، المجامل بطبعه، جامل «عبدالعال» في التقرير ولم يرصد الأخطاء اللغوية غير النحوية، مثل أخطاء الصرف والنطق وإخراج اللسان في الحروف اللثوية، ونطق همزة الوصل بدلًا من القطع والعكس، وفتح أوائل الأفعال بدلًا من ضمها، وغيرها وغيرها.

وأخيرًا، أذكّرك لو كنت نسيت، أن مشروع القانون استثنى مخالفي أحكام المادتين ٩ و١٠ من العقاب. وأذكّرك أيضًا بأن رئيس البرلمان يمكنه الاستفادة من الاستثناء الوارد في الفقرة الثالثة من المادة ١٠: «..... فإذا كان بعض المشاركين لا يحسنها، تعين أن توفر الجهة المنظمة للاجتماع ترجمة فورية من العربية وإليها»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف