الفراغ آفة الإنسان وخاصة الشباب الذي ما يفسده شيء قدر ما يفسده الشباب. وقديما قال شوقي أمير الشعراء: إن الشباب والفراغ والحيرة مفسدة للمرء أي مفسدة.. وقال الإمام الشافعي: - إذا لم تشغل نفسك بالحق. شغلتك بالباطل.. قول سديد. وتعبير صادق سبق به كل علماء النفس والفكر.
الفراغ بطالة. وضياع لقدرة البشر.. أعطي الله للإنسان طاقة لا تصلح الدنيا بتعطيلها. وحث الإسلام علي شغل الأوقات بالعبادة والعمل منبهاً إلي ان العمل أقوي العبادات لأن خيره يعم الانسانية كلها. بالعمل يعمر الكون. ويرقي الإنسان ويزداد الخير للبشرية تحقيقاً لقول سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم: - خير الناس أنفعهم للناس.. لاشك ان ما يحدث في البلاد من حوادث اجرامية وعمليات إرهابية من بعض أسبابه فراغ القائمين به.. فراغ أدي إلي الفقر. فظن ذووه ان الخروج منه يكون بارتكاب أفعال استجابة لمن يدفع وأملاً في الحصول علي ما يخرجه من عالم الفقر إلي حديقة المال وهو ما أشار إليه الإمام الشافعي "فراغ من الحق وامتلاء بالباطل".
حسناً فعل المرحوم اللواء عبدالحليم موسي وزير الداخلية الأسبق حين كان محافظاً لأسيوط إذ وفر فرص عمل لكثير ممن انخرط في الجماعات التي ارتكبت اعمالاً إجرامية في التسعينيات فصلح عملهم. وابتعدوا عن تلك الجماعات.
الفراغ يزرع القلق في النفوس. يدمر الفرد ويجعله يعادي المجتمع ومن ثم تنهار الأمة ويضيع الأمن والأمان. وشغل الفراغ يكون بالعمل الذي يستغرق وقت الإنسان جميعه. لا يدعه إلا وقت النوم يقول - ديل كارينجي عالم النفس: إننا لا نحس أثراً للقلق عندما نعكف علي أعمالنا. ولكن ساعات الفراغ التي تلي العمل هي أخطر الساعات.
الخلاص من الفراغ المؤدي إلي الشر والمفاسد هو الإفادة من الجهد الذي يستفيد كل طاقة. ويوجهها إلي ما ينفع الانسان في دنياه وآخرته. ويري المفكر الإسلامي المعروف الشيخ محمد الغزالي ان أفضل ما تصون به حياة الإنسان ان ترسم له منهاجاً يستغرق أوقاته ولا يترك للنفس فرصة تمتلئ بالباطل لانها لم تمتلئ بالحق. وان الحق إذا استنفد ما لدي الإنسان من طاقة مختزنة لم يجد الباطل بقية يستمد منها. وإذا استولي علي قلبه ولبه فلا مجال لوساوس اللهو وهواجس الريبة.
ما نراه في مجتمعا الآن من تجمع آلاف الشباب في المقاهي. ونواصي الشوارع ظاهرة مخيفة تنبيء عن فراغ قاتل أصاب هؤلاء الشباب فلجأوا إلي ضياع حياتهم دون عمل مفيد أو إنتاج مثمر وقد نبه الرسول صلي الله عليه وسلم علي الأمة عدم ضياع الوقت وضرورة ملئه بالعمل الصالح - قال تعالي: "وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله" وقال النبي- صلي الله عليه وسلم-: "ان الله يحب المؤمن المحترف". ويؤثر عن عمر بن الخطاب قوله: "إني لأري الرجل فيعجبني فإذا سألت عنه فقيل لي لا حرفة له سقط من عيني".
والمتتبع لكثيرمن شبابنا يجد أعداداً هائلة منهم يقضون وقتهم بالعبث بأجهزة المحمول للانتقال من صورة لأخري ومن تعليق لآخر.. نجدهم في النادي في الشارع في المقهي دون ان يغير أي منهم علي وقته وعلي عقله الذي ميزه الله به عن سائر المخلوقات.
الشعوب لا تنهض بالكسل. ولاتتقدم بالاسترخاء. ولا تنافس بضياع الوقت. انما تتقدم بالعمل الدائم الدءوب والكفاح المستمر في بناء الحياة وشبابنا لديه من الطاقات المعطلة التي لو استغلت صعدت الأمة وفاقت ماحولها من أمم تقدمت بعد ان كنا السابقين في الحضارة وأصحاب الفنون والفكر والثقافة في زمن مضي.