الجمهورية
بسيونى الحلوانى
مستشفيات.. تجلب المرض!!
إصلاح المنظومة الطبية في مصر يحتاج الي مواجهة حاسمة لكل مظاهر الخلل خاصة أن الدولة تنفق المليارات سنويا علي الخدمات الصحية.. ثم تذهب معظم جهودها أدراج الرياح فلا مستوي صحة المصريين في تحسن.. ولا الشكوي من المستشفيات والأطباء توقفت.. ولا مظاهر الفساد في القطاع الصحي اختفت.
كنت أتمني أن يقوم المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء بزيارات مفاجئة للمستشفيات الحكومية خاصة في المحافظات ليقف بنفسه علي حالة الخدمات الصحية المتردية التي تقدم للمواطنين"الغلابة" في كل محافظات مصر.. وأنا علي ثقة أنه لو زار عدد من المستشفيات في محافظات مختلفة -زيارات مفاجئة- دون أن يصطحب معه وزير الصحة لرأي مالا عين رأت وسمع مالم يسمعه من قبل عن الإهمال وضعف الامكانات وقصور الخدمات التي تعاني منها هذه المستشفيات منذ حقبة طويلة من الزمن دون أن يتغير شيء علي أرض الواقع رغم المبالغ الباهظة التي تنفقها الدولة سنويا علي الرعاية الصحية من خلال هذه المستشفيات باعتبارها الملاذ الوحيد للفقراء ومحدودي الدخل الذين يشكلون غالبية هذا الشعب.
****
من وقت لآخر اضطر الي زيارة مريض في أحد المستشفيات الحكومية- سواء أكانت عامة أم جامعية- وفي كل مرة أخرج بحسرة بالغة علي الواقع المتردي لهذه المستشفيات والتي تفتقر الي المقومات الأساسية لأي مستشفي ابتداء من حالة النظافة اللازمة لمنع انتقال الأمراض بين المرضي بعضهم البعض وانتهاء بما يقدم لهم من خدمات.. والغريب أن وزير الصحة يزور بعض هذه المستشفيات ويخرج علينا بتصريحات وردية في كل زيارة تؤكد أن كل شيء "تمام" وأن مستوي الخدمات يتحسن وأن المرضي وأسرهم سعداء بما يقدم لهم من خدمات في هذه المستشفيات.
القائمون علي أمر هذه المستشفيات- ومنهم كفاءات طبية وإدارية- يؤكدون أن قصور الامكانات المادية هو السبب الأول في تردي الخدمات الصحية في كل المستشفيات حيث لا توجد الأجهزة الطبية اللازمة لإجراء الفحوص العاجلة في حالات الطوارئ وعدم كفاءة المعامل فضلا عن النقص الكبير في الأدوية ومستلزمات الجراحة وعدم وجود أسرة للمرضي وغير ذلك مما يعرفه كل مريض اضطرته ظروفه الاقتصادية الصعبة الي الذهاب الي مستشفيات وزارة الصحة لإجراء جراحة أو علاج مرض.
وفي ظل القصور في الامكانات ترفض المستشفيات الحكومية قبول العديد من المرضي يوميا ومعظمهم من الفقراء ومحدودي الدخل الذين تضطرهم الظروف الي الاستدانة من أجل انقاذ حياة مريضهم.
روي لي أحد الأصدقاء الذين أثق فيهم قصة شاب ذهبت به أسرته لمستشفي دمنهور العام لعلاجه من إصابات خطيرة لحقت به في حادث سير فرفض المستشفي قبوله وطلب من الأسرة الذهاب به الي مستشفي بالإسكندرية مما اضطر أمه وزوجته الي بيع ما لديهن من ذهب بسيط لعلاجه في مستشفي خاص واكتفت الأسرة ذات الامكانات الاقتصادية المحدودة جدا بترديد عبارة "حسبنا الله ونعم الوكيل"!!
****
أما ما يخص الأطباء وتواضع مستوي كثير منهم فسأنقل هنا تشخيص طبيب متميز يعمل في وزارة الصحة .. يقول د.حسام.ح: المنظومة كلها فاشلة وفاسدة من اول وزارة التعليم العالي التي تخرج اطباء غير اكفاء وعدم التركيز في تعليم الطلاب .. ثم سوق العمل الذي يجبر طبيب امتياز الي العمل 24 ساعة في اليوم لكي يوفر ادني قدر من المعيشة الكريمة واستغلال اصحاب المستشفيات والمراكز الطبية لحاجة الطبيب الجديد والضغط عليه .. ثم مرحلة تخصص الطبيب ودراسة الماجستير والتي تجبره علي العمل عند الاستاذ بدون اجر مع احتمال كل سخافات الاستاذ المشرف.. وهو في نفس الوقت يتعلم ويعمل 24 ساعة يوميا يدوب يقدر يذاكر اخر شهر ويبطل شغل ويعيش تحت خط الفقر لمدة شهر وبدون اي داع يسقط في الماجيستير مرة واتنين وتلاته عشان دوره مجاش.. وبعد ما ينجح ويبدأ يستقر في شغل تيجي الترقية ولازم يسيب شغله وحياته المستقرة ويروح منطقة نائية يقضي هناك 6 شهور عشان يترقي يبقي مساعد اخصائي.. و يرجع يبدأ من اول وجديد. ويضطر يشتغل عشان يعيش ويصرف علي اولاده لأن مرتب الحكومة مينفعش يعيش منه اسبوع .. ويستمر الطبيب مضغوط طول حياته الا لو لعبت معاه وربنا كرمه واتشهر.. مع العلم ان مش كل دكتور مشهور يبقي شاطر..امثلة الدكاترة المطحونة كتير.
ويضيف طبيب وزارة الصحة: نيجي بقي لمنظومة الادارة في مصر فهي منظومة فاشلة.. منظومة كله تمام يافندم.. مفيش مستلزمات ولا الات ولا ادوية ولا صيانة ولا فلوس.. الوزير بيقول لمديري المستشفيات متطلبش مني حاجة عشان مفيش.. ومع ذلك لازم يبان ان كله تمام و تيجي اللجان وتكتب ان كله تمام والوزارة تمام وكل حاجة موجودة
الموضوع فعلا خطير بلاش نظلم الطبيب لانه اذا متعلمش فده مش غلطه ده غلط اللي معلموش
واذا اخطأ فده غلط اللي مدربوش
واذا كان ماد فده نتيجة عدم التقدير من المجتمع والعمل اللي مبعطيهوش حقه
واذا استهتر فده نتيجة انه عارف ان مفيش حساب ..الاول المنظومة كلها تتظبط عشان يبقي فيه أمل.
هذا هو الواقع الذي تعيشه المنظومة الطبية في مصر ولو كانت هناك رغبة حقيقية في الإصلاح وتقديم خدمات صحية محترمة في ظل اهتمام الدولة وما تخصصه من أموال طائلة لعلاج المرضي يجب التعامل مع هذا الواقع بموضوعية بعيدا عن التقارير الخادعة ووهم أننا نسير في الطريق الصحيح.
اسألوا أطباء وزارة الصحة عن معاناتهم اليومية .. ثم إبدأوا الإصلاح.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف