رجائى عطية
مدارات - خلط الأوراق : هل صار العدو هو الإسلام ؟! «٤ ـ 6»
حالات ترث فيها المرأة
ولا يرث نظيرها من الرجال
أسلفنا أنه لا يستقيم في عقل عاقل، أن يكون القرآن منحازًا للذكور علي حساب الإناث، بينما أنصبة أصحاب الفروض المقدَّمين علي من عداهم، غير معلقة علي الذكورة والأنوثة، وأن هناك اعتبارات أخري مرعية سواء في تحديد الأنصبة ،أم في مراتب الورثة.
وإذ استشهدنا بالحالات التي ترث فيها الأنثي مثل الذكر، والحالات التي ترث فيها أكثر منه، فقد بقيت الحالات التي ترث فيها الأنثي ولا يرث نظيرها من الذكور.
من ذلك علي سبيل المثال :
(1) ميراث » أب الأم » مع » أم الأم »، فإن الأب لأم لا يرث لأنه جد غير وارث، بينما ترث أم الأم السدس فرضًا، ويُرَد عليها الباقي.
(2) ميراث » أب أم الأم » مع » أم أم الأم » فالأول ممنوع لا يرث مطلقًا لأنه جد فاسد غير وارث، بينما ترث أم أم الأم السدس فرضًا والباقي ردًّا عليها.
(3) ترث الجدة وكثيرًا ما لا يرث نظيرها من الأجداد.
(4) تأخذ بنت الابن السدس فرضًا، ولا يأخذ ابن الابن شيئًا، إلاَّ إذا أغيث بالوصية الواجبة علي تفصيل لا يتسع له المجال.
(5) توجد حالات ترث فيها الأنثي ولا يرث نظيرها من الرجال، دون تدارك بالوصية الواجبة، كأن تموت المورثة عن زوج دون فرع وارث، وعن أخت شقيقة، وأخت لأب، فإن الأخت الشقيقة ترث النصف فرضًا مثل الزوج، وترث الأخت لأب السدس فرضًا، وهنا ترث الأخت الشقيقة مثل الزوج، أما لو تركت المتوفاة زوجًا وأختًا شقيقة وأخًا لأب، دون فرع وارث، فإن الزوج يأخذ النصف فرضًا، وتأخذ الأخت الشقيقة النصف فرضًا، ولا يرث الأخ لأب لأنه لم يبق من التركة شيء، ولا توجد في هذه الحالة وصية واجبة تعطي شيئًا للأخ لأب.
ويبدو من استقراء آيات القرآن الحكيم وأحكام الميراث التي استنتها، أن الحالات الأربع التي ترث فيها الأنثي نصف الذكر، يقابلها أكثر من ثلاثين حالة ترث فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر من الرجل، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، وكل ذلك في توازن دقيق وحساب محكم دقيق، لأنها شريعة الله تعالي، ونظامه المحكم العادل الذي لا سبيل لرفضه أو التعديل فيه أو الخروج عليه، إلاَّ أن يكون عن تراضٍ يقبله الأطراف المعنيون.
اعتراض ضرير !
لم يقل المنبرون للتعقيب علي النظام الإلهي في الميراث، ما هي الحدود التي يتبنون التعديل فيها، وهل هي قاصرة علي صدر الآية (11) من سورة النساء، والحالات الأربع المتولدة عنها من بين أكثر من ثلاثين حالة، أم أن المساواة التي يتنادون بها تمتد إلي الحالات العديدة التي ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، أو ترث ولا يرث نظيرها من الرجال.
فهل يتجزأ » المبدأ » الذي يتنادون به، وهل يختلف ويتغاير بين حالة وأخري، فيطبق ويهدر في آن واحد، وهل تَحَسَّب هؤلاء للحالات التي راعت المرأة، وفرضت لها أكثر مما فرضته للرجل، أو وَرَّثتها دون أن تورث نظيرها من الرجال ؟!
فهم إما أن يناقضوا المنطق المتنادين به لتحاشي المساس بالرعاية التي أولاها القرآن الكريم للمرأة !
وإما أن يعطلوا آيات القرآن الحكيم، لتكون الأحكام تطريزًا وترقيعًا حسب الهوي في دعوة ضريرة وراء تعلة الحرية وتحرر المرأة ؟!!
علي الذين يتبنون الاقتراح التونسي، أن يحلوا هذه المعضلة، وأن يفصحوا هل المراد إنكار وإهدار ما أمر به القرآن الكريم، أم هو ترقيع وتطريز من كل بستان زهرة وفقًا لما يشاءون !!
خلط آخر في الأوراق
ومن خلط الأوراق، الخلط في هذه المسألة بين ما قرره القرآن الحكيم وأمر به، وبين ما يجري في بعض المجتمعات المتخلفة، من حرمان الأنثي أو انتقاص نصيبها من الميراث، فهذا الحرمان أو الانتقاص ليس من الدين، بل هو ضد ما أمر به القرآن من وفاء عام بالحقوق، ووفاء بحقوق الإناث، وعلاجه يستوجب أن يُلْزم هؤلاء بما فرضه القرآن الحكيم.
عود علي بدء
مؤدي الحالات المتنوعة التي تابعناها، بين أن ترث الأنثي مثل الذكر، أو ترث أكثر منه، أو ترث ولا يرث نظيرها من الذكور، أن القرآن الحكيم لم يجعل من حالة » للذكر مثل حظ الأنثيين » قاعدة عامة تلاحق الأنثي في جميع الأحوال فترث نصف الذكر، وإنما قصرها علي صورة واحدة خصصها بقوله سبحانه وتعالي : » يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ » (النساء 11 )، ولو أراد عز وجل تعميمها علي كل الوارثين من الذكور والإناث لكانت التوصية الإلهية بإطلاق، ولجرت بعبارة تقرر هذا التعميم، باستخدام لفظ » الوارثين » بدلاً من » فِي أَوْلاَدِكُمْ »، ولو كانت هذه الحالة عامة أو مطردة لما وجدنا هذه الحالات الأغلب التي ترث فيها الأنثي مثل الذكر، أو أكثر منه، أو ترث ولا يرث نظيرها من الذكور. لذلك فقد تعجبت من تساؤل طرحه أحدهم لينهش في الإسلام، فتساءل : » هل انتصر الإسلام للمرأة ؟ » وجعل المنبري يتدرج مما تفضل فاعتبره إنصافًا ولكنه في نظره إنصاف جزئي تخطاه الزمن، ومن ثم فإن مجمل الإسلام ـ في ظنه ودعواه ـ لم ينتصر للمرأة !
وقد كان خليقًا بهذا وغيره، أن يرجع إلي ما كتبه أستاذنا الجليل الشيخ محمد أبو زهرة الذي تلقينا عنه بكلية الحقوق أحكام الشريعة الإسلامية في كتابه الضافي عن الزواج والطلاق، أو في كتابه عن المواريث والوصية، فإن شق عليه فإنه يمكنه الرجوع إلي ما كتبه الأستاذ العقاد عن » المرأة في القرآن الكريم »، أو أن يرجع إلي كتابات أساتذة مثل الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت في كتابيه » الإسلام عقيدة وشريعة » و» من توجيهات الإسلام »، أو أن يرجع إلي ما كتبه الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي في كتابه » الفقة الميسر »، أو إلي كتاب الدكتور محمد عمارة حول » مكانة المرأة في الإسلام » ـ وإلي عشرات الكتب التي تناولت هذا الموضوع بعلم وتعمق وأستاذية، وأن يتفادي التجديف الذي دأب المتعالم علي الاجتراء عليه، دون أن يبالي بما يحدثه من تشويش وبلبلة بل وإساءة إلي الإسلام، علي غير حق ولا منطق صحيح ولا بينة !
إننا نحتاج إلي إنصاف الإسلام من البعض الذين يتهجمون عليه أو يلمزون بغير إحاطة ولا بصيرة، ولا أتحدث عن النوايا، فعلمها عند الله، ولكن المنطق يقتضي الإنصاف وبيان الحقائق بغض النظر عن حقيقة نوايا من يسيئون إلي الإسلام، ويستيسرون التهجم عليه بدعوي الحرية والتحرر ومقاومة التخلف والجمود !!!
إن الإسلام دين لا يعرف التمييز بين البشر، ناهيك بالتمييز بين المسلمين، ولا يقبل إهانة أحد علي خلفية دينه، ناهيك أن يهين أحدًا أو زمرة من المسلمين بدعوي التفضيل والتمييز، فكرامة الإنسان والإنسانية، ورعاية العدالة والمساواة، مبدأ إسلامي عام، شمل الإنسانية والناس برمتهم، فقال سبحانه وتعالي : » وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَي كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً » (الإسراء 70).
فهذه الآية دستور عام، يلتقي وإياه آيات العدالة والمساواة التي تعددت في القرآن الحكيم، فالله سبحانه وتعالي قد أرسل رسله بالبينات وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط. يقول جل شأنه : » لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ » (الحديد 25)، وخاطب رسوله الهادي البشير فقال آمرًا إياه :» وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ »(الشوري 15)، ويقول للمؤمنين :» يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ »(المائدة 8)، ويقول لهم :» يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَي أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ »(النساء 135)، وينهي سبحانه وتعالي عن الظلم، ويقول في سورة غافر : » وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ » (غافر 31)، بل أقام دوحة عمادها العدل والمساواة.. وليس أجزي للإنسان، حيث كان، من دين يطوي الناس في أسرة إنسانية واحدة لا تفاضل بين أفرادها إلاّ » بالعمل »، لا بالحسب ولا بالنسب ولا بالأعراق ولا بالذكورة أو الأنوثة، ولا بالأموال.. في القرآن الحكيم في خطاب موجه إلي الناس كافة، لا إلي المسلمين خاصة، يقول الحق سبحانه وتعالي : » يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ » (الحجرات 13)..