الجمهورية
مدبولي عثمان
مصر .. فاتحة كتاب التاريخ
رصدنا في مقال الأسبوع الماضي بعض السلبيات التي طرأت علي سلوك المصريين خلال العقد الاخير . واختفاء الكثير من الإيجابيات التي ساهمت في نصر اكتوبر قبل 44 عاما. وطرح بعض القراء تساؤلات حول ما إذا كانت هذه السلبيات التي تزدحم بها شوارع ومنازل المصريين ناجمة عن تحول أصيل في الشخصية المصرية أم أنها تغيرات طارئة وترتبط بظروف مرحلية؟!. وتساءل أحد القراء والواعين : هل هذه سلوكيات أمة بنت الأهرامات وحضارة عريقة لا يزال العلم الحديث عاجزا عن تفسير أسراراها؟!.پ
وفي ظل ما يطرأ علي المنطقة العربية من تغييرات جذرية تهدد باختفاء دول وتفتيت أخري. أري أنه من الضروري مناقشة الثابت والمتغير في شخصية شعب أقام اقدم دولة في التاريخ . وقاوم كل الغزاة قديما وحديثا ولم يتأثر بهم بل أثر فيهم. وقد سبقني للتاكيد علي تلك الضرورة المفكر الراحل العبقري جمال حمدان . بقوله في موسوعته القيمة "شخصية مصر .. دراسة في عبقرية المكان" بقوله : " في هذا الوقت الذي يضطرب فيه الفكر في مصر ويضطرم بحثا عن شخصيتها ودورها الإنساني والحضاري ... فإننا في حاجة إلي فهم كامل لوجهنا ووجهتنا. لكياننا ومكانتنا . لإمكانياتنا وملكاتنا ... وأيضا لنقائصنا ونقائضنا . بلا تحرج ولا تحيز أو هروب".
ورغم تعدد الابحاث والباحثين الذين كتبوا عن الشخصية المصرية . وتعدد جنسياتهم وأهوائهم . ستظل شخصية المصري صعبة القراءة. ولا يمكن لأي باحث مهما كانت قدرته أن يضع سمات محددة يمكن من خلالها التنبؤ بسلوكه الاني او المستقبلي. فلو اجتمع كل علماء النفس والاجتماع في لقاء مطول سيعجزون عن تفسير كيف تمكن المصري البسيط من بناء الاهرامات . وكيف تمكن الجندي المصري العادي أن يطور في صواريخ سام ارض جو الروسية . وكيف تمكن الجندي عبد العاطي بمفرده من تدمير أربعة عشر دبابة للعدو الاسرائيلي علي ارض سيناء في حرب اكتوبر المجيدة. ولا يمكنهم تفسير كيف حصل الجندي الأمي عبد الباسط علي المركز الاول في التصويب بالبندقية .
وأقرب التفاسير التي أقتنع بها تري أن الأداء العجيب والمثير للمصري يحدث فقط ودون سابق انذار عند التلاحم الحقيقي القائم علي الاقتناع بينه وبين قائده. ففي أوقات التلاحم النادرة تلك حقق المصري بذكائه الفطري إنجازات غيرت وجه التاريخ قديما وحديثا.. أقاموا أول جامعة في التاريخپ وهي جامعة أمون والتي يقول المؤرخون إن سيدنا موسي عليه السلام أحد طلابها وبنوا الاهرامات ذلك العمل الإعجازي في 20 عاما فقط . وهزموا المغول وقضوا علي حلمهم في السيطرة علي العالم . وهزموا الصليبيين . وبنوا نهضة اقتصادية كبري في عهد محمد علي واسرته وفي عهد عبد الناصر. والحقوا بالعدو الاسرائيلي اول هزيمة في اكتوبر 73.
وأري أن المفكر جمال حمدان يرحمه الله أكثر من كتب بدقة وموضوعية وعلم عن شخصية مصر والمصريين في موسوعته العلمية "شخصية مصر". ولخص ملامح مصر وشعبها بقوله : "في جميع الأحوال فإن مصر هي واسطة كتاب الجغرافيا تحولت الي فاتحة كتاب التاريخ. وفي جميع الأحوال أيضاً فإن السبق الحضاري ملمح أساسي بلا نقاش في شخصية مصر¢. ولم يغفل المفكر الراحل العظيمپجمال حمدان عن امكانية وجود تغيير في الشخصية المصرية في مرحلة من المراحل ولكنه يؤكد أن الاصالة ما تلبث أن تعود بقوله : "ورغم كل شيء فإن كل انحراف حدث في مصر الي زوال¢.
فأهم ما يميز المصريين قدرتهم علي الخروج من الأزمات محافظين علي شخصيتهم وهويتهم رغم حدوث بعض التحولات السلبية وهو مايثير التفاؤل حتي في أحلك الظروف.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف