الأهرام
نيفين مسعد
اتفاق ٦-١
علّق محلل إيرانى على تهديد الرئيس الأمريكى بإلغاء الاتفاق النووى مع بلاده والمعروف باسم اتفاق 5+1 بقوله «نحن متمسكون باتفاق 6-1»، وكانت الرسالة التى يبعث بها هى : فليخرج ترامب من الاتفاق كما يشاء أما باقى الأطراف فستواصل تنفيذه . هذا المعنى نفسه عبّر عنه الرئيس الإيرانى حسن روحانى فى خطابه الذى أذيع مباشرة عقب خطاب الرئيس ترامب عندما ذكر أن الاتفاق صار أقوى من أى وقت مضي، وفى الحقيقة فإن سيل التصريحات من مفوضية الاتحاد الأوروبى ومن الدول الموقعة على الاتفاق تأكيدا على التمسك به لم يترك مجالا للشك فى أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق لن يؤدى لانهياره . بالتأكيد سوف يفكر المستثمر الأوروبى قبل أن يضع جزءا من رأسماله فى قطاع النفط الإيرانى مخافة أن يقع تحت طائلة العقوبات الأمريكية خاصة مع وجود سوابق لهذا الأمر ، لكن توحد الموقف الأوروبى فى الدفاع عن الاتفاق وانقسام الموقف الأمريكى بشأنه من المفترض أن يقيد قدرة ترامب على الذهاب بعيدا فى سياسته العقابية.وبالفعل فإن تهديدات ترامب انخفضت من إلغاء الاتفاق إلى تعديله أولاً، ومن إدراج الحرس الثورى على قائمة التنظيمات الإرهابية إلى معاقبته .

فى تبرير ترامب لاستراتيجيته الجديدة حيال إيران تكلم عن خروجها على «روح الاتفاق» وهذا ما يُعبَر عنه فى القانون الدولى بمصطلح «حسن النية»، أى تفسير النصوص القانونية بطريقة لا تخرجها عن العلة التشريعية منها. الاتفاق النووى نفسه نص فى البند 8 من ديباجته على التزام إيران وكل الأطراف بتنفيذه بحسن نية وفى مناخ مبنى على الاحترام المتبادل والامتناع عن أى عمل يخل برسالة الاتفاق وروحه بما يؤثر على نجاحه . وبالتالى فإن كلام ترامب عن روح الاتفاق له سند قانونى وأساس فى صلب اتفاق5+1، لكن المشكلة فى مصطلح «روح الاتفاق» أنه مصطلح غامض .

لو أننا أخذنا المصطلح بالمعنى التقنى المباشر فإنه لا ينطبق على السلوك النووى الإيرانى الذى شهدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنه لا يخل بالاتفاق، وعندما يقول ترامب فى خطابه إن إيران ترفض تفتيش بعض مواقعها العسكرية التى يُعتقد أن لها صلة ببرنامجها النووي، فهو لا يذكر أن الوكالة فى تقريرها الفصلى فى سبتمبر الماضى أوضحت أنه لا مبرر لتفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية. وإذا أخذنا المصطلح بالمعنى الواسع المتصل بالأداء السياسى لإيران فى أزمات المنطقة فإن إيران بدورها لديها الكثير مما تنتقد به الأداء السياسى الأمريكى فى هذه الأزمات ذاتها ، كما يمكنها أن تستشهد على تسميم أجواء الاتفاق النووى بتصريحات ترامب شديدة العداء حيالها بوصفها بـ «أكبر راع للإرهاب فى العالم». وفى الحقيقة فإن من استمع إلى استرتيچية ترامب يتوصل إلى أن الرجل يعاقب إيران على مجمل أعمالها منذ احتجاز الرهائن الأمريكيين عام 1979 وحتى آخر تجاربها الصاروخية قبل شهور ، لا بل هو ينتقد استيلاء آيات الله على السلطة فى إيران ونهب ثروات واحدة من أغنى دول العالم ، وبالمثل راح روحانى يعدد أخطاء الولايات المتحدة على امتداد نحو 70 عاما من أول فيتنام وحتى العراق مرورا بأفغانستان ــ دع عنك الدعم المطلق لإسرائيل، بقول آخر فإن كلا الطرفين لديه من الأسباب ما يكفى للتشكك فى نوايا الطرف الآخر .

هذا إذن عن «روح الاتفاق» ، أما عن نص الاتفاق فإن موقعيه حصّنوا استمراره بمجموعة من الخطوات الإجرائية المعقدة . وهكذا نجد تحت عنوان «آلية تسوية النزاع حول الاتفاق» أنه عند الاختلاف حول التزام إيران أو أى من الأطراف الأخرى بالتنفيذ يُرفَع الأمر للجنة مشتركة (ينظم تشكيلها البند 9 من الديباجة) فتدرس الموضوع لمدة 15 يوما تُمَدد مرة واحدة، وبالتوازى مع ذلك أو بعد فشل اللجنة فى مهمتها يُرفع الموضوع لوزراء الخارجية لدراسته فى فترة 15 يوما تُمَدد مرة واحدة، فَلَو استمر الخلاف رغم ذلك تتشكل لجنة استشارية ثلاثية لفحص الموضوع فإن لم تنجح يحق للطرف المتضرر اعتبار أنه فى حِل من تنفيذ التزاماته ، ثم يأتى بعد ذلك دور مجلس الأمن ليصدر قراره باستئناف العقوبات أو لا، فأين كل ذلك مما فعله ترامب بإحالة تعديل الاتفاق للكونجرس والشركاء وكيف يمكن لهؤلاء الشركاء التعامل مع اتفاق وقّعوا عليه كأنه لم يكن؟

لقد أحدث ترامب باستراتيچيته الجديدة مع إيران «فرقعة إعلامية»، لكن أطراف الاتفاق الخمسة تركوه وحده يحارب معركته. وبالنسبة لإيران فإنها ستتضرر اقتصاديا من معاقبة الحرس الثورى الذى يهيمن على مفاصل اقتصادها، لكنها ربحت دبلوماسيا بظهورها كدولة تحترم التزاماتها الدولية، ثم إنها سوف ترد على العقوبات بصب المزيد من الزيت على النار فى صراعات المنطقة ، وبعض من هذا الزيت قد أُلقى فعلا على مدينة كركوك .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف