د. محمد يونس
ماذا نخسر بخذلان الروهينجا؟
العالم اليوم ينظر بنصف عين إلى مأساة نحو مليون ونصف المليون إنسان يقبعون بين توحش التطهير العرقي، وبلادة المجتمع الدولى الذى اكتفى بإطلاق نداءات لا تتجاوز الشجب والإدانة، بينما يستمر قتل البشر وحرق المنازل والشجر والحجر واغتصاب النساء فى مناطق مسلمى الروهينجا لإجبارهم على ترك قراهم التى يعيشون فيها منذ عشرة قرون.لن يجدى إعادة طرح السؤال الذى أطلقه الداعية الإسلامى الهندى أبو الحسن الندوى منذ نصف قرن تقريبا عبر كتابه: ماذا خسر العالم بتدهور المسلمين؟ ليوضح القيم الإنسانية الكبرى التى فقدها العالم بسب تخلف المسلمين وعدم قدرتهم على تقديمها للعالم لانتشاله من الضياع والتوحش، لأن المسلمين خسروا أكثر من العالم، وأيضا لأن تدهور المسلمين أصبح غنيمة كبيرة وبزنس ثمينا يدر على الغير المليارات من النقود فى شكل بيع اسلحة وغيرها، لذا فإن ما يهمنا اليوم هو: ماذا يخسر العالم بشكل عام والمسلمون بشكل خاص من خذلان الروهينجا؟.
إن اطلاق النفير ودعوات شد الرحال إلى بورما لا يعنى اكثر من إطلاق الجيل الثالث من صناعة الإرهاب الذى يدفع ثمنه المسلمون اولا ثم العالم ثانيا، مثلما حدث منذ سيناريو «الجهاد فى افغانستان» ومن ثم فإن الحل الأمثل يتمثل فى العمل بكل السبل المشروعة لضمان حقوق الإنسان لمسلمى الروهينجا مثل باقى سكان ميانمار ووضع آلية لوقف التطهير العرقى واضطهاد المسلمين هناك، الذى لا يمثل الا موجة جديدة من موجات العنف الدموى الذى يعانونه منذ قرون.
فعلى الرغم من أن وجود المسلمين فى أراكان قائم منذ وصول العرب هناك فى القرن الثامن الميلادي، فإنهم على مدار ستة قرون يعانون، من موجات متتالية للاضطهاد، حيث تنتهكت حقوق المسلمين الأساسية لأنهم محرومون من الجنسية وملكية الأراضى والتصويت والسفر ويعانون العبودية على يد الجيش، فضلا عن جرائم الإبادة الجماعية والعنف الممنهج وقد هرب مئات الآلاف منهم لتايلاند وبنجلاديش التى يرتبطون بها عرقيا ولكنهم يجبرون عادة على العودة.
بدأ هذا الاضطهاد رسميا لأسباب دينية منذ عهد الملك باينتوانغ (1550-1589م) الذى حظر على المسلمين ممارسة الذبح الحلال للدجاج والمواشى بسبب التعصب الديني. وتضاعف الاضطهاد بعد الغزو البورمى لأراكان سنة 1785م حيث فر 35 ألف أراكانى مسلم إلى مقاطعة شيتاكونغ ، واستمر فى عهد الاحتلال البريطانى لبورما، وتواصل بعد الاستقلال، لإجبار المسلمين هناك على ترك منازلهم والفرار الى الدول المجاورة.
وفر خلال الأيام القليلة الماضية نصف مليون مسلم، من الاضطهاد الدينى الذى يمارسه البوذيون وجيش ميانمار تحت بصر رئيسة الوزراء الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، وصفت مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ما يحدث لمسلمى الروهينجا بأنه «تجسيد للتعريفات النموذجية للتطهير العرقي فى القانون والأعراف الدولية».
بعد مرور أيام عديدة على مناشدة شيخ الأزهر ضمير العالم والمنظمات الدولية التدخل لوقف التطهير العرقى هناك، قال فضيلته فى مؤتمر السلام ببرلين، إن «المجتمع الدولى عجز عن إنقاذ مسلمى الروهينجا».
من الصعب الرهان على النظام الدولى ليس فقط لأننا جربناه كثيرا فى الكيل بمكيالين تجاه قضايا العرب والمسلمين منذ نكبة فلسطين 1948م ،وإنما ايضا بسبب تحيز مسئولى الأمم المتحدة ضد مسلمى الروهينجا وهو ما كشفته هيئة الإذاعة البريطانية يوم 29 سبتمبر الماضي.
كما أنه من غير المتوقع تدخل دولى تحت مظلة الأمم المتحدة، فالقوى العالمية مشغولة بقضايا أهم مثل توترات كوريا الشمالية وما يحدث فى سوريا وتصفية داعش، وأزمة قطر، لذا لابد من تحرك فورى من جانب الدول والشعوب الإسلامية.من هذا المنطلق قدم أساتذة وخبراء السياسة مقترحات عملية لممارسة الضغط على حكومة ميانمار، ومنهم د. نصر عارف، ومن أبرزها حملة لمقاطعة بورما دبلوماسيا واقتصاديا على الأقل من جانب 57 دولة أعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي، وتفعيل حملات إعلامية عالمية عبرت وسائل التواصل الاجتماعى لسحب جائزة نوبل للسلام من زعيمة ميانمار، ومقاطعة رجال الدين البوذيين فى تلك الدولة، وتقديم الدعم الاقتصادى لبنجلاديش لاستيعاب الفارين إليها. والضغط لتنفيذ دعوة الأمم المتحدة للتحقيق فى الجرائم التى تحدث ضد الروهينجا، وتخصيص مناطق آمنة لحمايتهم، والاستفادة من تجربة البوسنة والهرسك لتلافى تحويل أبناء الروهينجا إلى العمل العنيف حتى لا تتحول قضيتهم العادلة إلى ظاهرة إرهابية.
إن التخاذل عنهم يعنى اننا نسهم بشكل ضمنى فى صناعة الإرهاب، ثم ندفع ثمنه باهظا نحن العرب و المسلمين على النحو الذى تحقق بعد تجربتى القاعدة وداعش!.