أميرة ملش
ولنا فى الدبلوماسية المصرية فخر وشرف
منذ عام تقريبًا كنت فى زيارة لباريس.. ودعيت لحضور حفل استقبال فى منزل السفير المصرى فى فرنسا إيهاب بدوى على شرف مرشحة مصر لليونسكو مشيرة خطاب، وكان الحفل الذى أقامه السفير فى بيته دعا إليه نخبة من السياسيين والمثقفين الفرنسيين للتعرف بمشيرة خطاب والتحدث إليها عن قرب، دعمًا لها فى مشوارها لخوض انتخابات اليونسكو، وكان منزل السفير يستقبل كل دقائق شخصية فرنسية مرموقة ووقفت السفيرة مشيرة خطاب بمعاونة ودعم كبير من إيهاب بدوى تتحدث معهم جميعًا، لم تكن هذه هى البداية فقد سبق ذلك تحرك ونشاط من السفارة المصرية فى باريس للحصول على دعم الفرنسيين وغيرهم من الدبلوماسيين الأجانب الموجودين فى فرنسا لمرشحة مصر.
وكانت لوزارة الخارجية مجهودات كبيرة فى هذا الشأن، ونجحت فى أن جعلت المرشحة المصرية تخرج من السباق الانتخابى لليونسكو بشكل مشرف للغاية، بعد أن حصلت على المركز الثالث فى هذه الانتخابات الصعبة بمجهودها فقط.. ولم تبعد كثيرًا عمن دفعوا ملايين الدولارات لشراء الأصوات بل تعتبر أنها تفوقت عليهم، فقد نافست بقوة، ووصلت إلى المراحل النهائية بالطرق الشرعية وحدها، ما يعد واحدًا من انتصارات الدبلوماسية المصرية.
هكذا هو حال وزارة الخارجية منذ تولى الوزير سامح شكرى زمام أمرها.. فهو دينامو، يتحرك بنشاط كبير فى كل الاتجاهات، وفى عهده حققت الدبلوماسية المصرية أعلى درجات التقدم والنجاح، وانتصرت فى كل معاركها حتى الآن، وحققت العديد من الإنجازات، ويكفى أن سفراء مصر فى الخارج منذ توليه الوزارة لم يعودوا كما كان يُقال عليهم، بأن السفير فى حالة استرخاء دائم وكل إنجازاته هى استقبال نجوم السينما المصريين والتصوير معهم، بل إنهم تحولوا إلى جنود مجهولة لا ترتاح ولا تهدأ إلا بتحقيق إنجاز يذكر.
فقد ارتفعت أسهم وزير الخارجية المصرى سامح شكرى على الساحة الدولية فى الآونة الأخيرة، رغم أنه يعمل فى صمت الجندى المجهول لا يتحدث عن نفسه، ولا يستعرض إنجازاته بين الحين والآخر كما يفعل غيره، لأنه يعمل هو ورجاله فقط ولا يتكلمون، فقد سجل شكرى حضورًا بارزًا على الساحة الدولية بوعى وثقل يليق بمصر، وكان بمثابة حائط صد لمن أراد الإساءة لمصر ولمخططات تقويض السياسة المصرية دوليا، كما أنه وسفراءه فى الخارج، خاصة فى الدول الكبرى لم يرضخوا للضغوط، التى تفرضها بعض الجهات الأجنبية على الوطن، مثل التبعية للسياسة الأمريكية، خاصة فى ملفات كوريا الشمالية وليبيا وسوريا والعراق، فقد عملت وزارة الخارجية خلال الفترة الماضية المليئة بالتحديات والصعوبات على التأكيد على استقلالية القرار المصرى والتعامل بما يستوجب أن تتعامل به دولة ذات ثقل فى منطقتها، وفى العالم أجمع.
كما نجحت مصر بمجهودات سفرائنا فى الخارج فى إبرام اتفاقيات وعقود تعلى من شأن مصر فى مجالات عدة، وعلى رأسها قوتها العسكرية، ولنا فى صفقات طائرات الرافال والفرقاطة وحاملتى الطائرات الميسترال، خير دليل على ذلك، غير صفقات الأسلحة والغواصات الألمانية والسفينة العسكرية من كوريا الجنوبية «الكورفيت» من طراز بوهانج والتى ستحمل اسم «شباب مصر»، والطائرات العسكرية من عدة دول منها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا وألمانيا، ففى خلال عامين فقط نجحت مصر فى تعزيز أسطولها البحرى بما يدل على أن مجهودًا جبارًا وحقيقيًا يبذل من جانب رجال وزارة الخارجية الشرفاء، طبعا ليسوا وحدهم، ولكن لهم فضل كبير فى ذلك، فهم كما قلت جنود مجهولة، وكذلك الصفقات الاقتصادية ومجالات التعليم والصحة والسكك الحديدية وغيرها.
كما نجح سامح شكرى، الوزير القوى، فى التنسيق الجيد لزيارات الرئيس عبدالفتاح السيسى الخارجية لإفريقيا وآسيا، والتى تؤكد ثقل ومكانة مصر بين الدول الكبرى، غير دوره الملموس فى أزمة سد النهضة وعودة مصر لقارتها الإفريقية من جديد، بعد انقطاع دام ثلاثين عامًا تقريبًا أو أكثر خسرت مصر خلالها كثيرًا، ونال ذلك من مكانتها ودورها فى إفريقيا، ولكنها عادت من جديد لتنخرط فى قضايا القارة السمراء بحضور قوى يدعم الأمن والاستقرار والتنمية فى إفريقيا، وكذلك الأزمة مع قطر، ولعل رد وزير خارجيتنا على ممثل قطر فى الجامعة العربية فى اجتماع القاهرة يعد ردًا قويًا وحازمًا، فقد واجه الوزير القطرى بقوة وثقة رجل يعرف ماذا يقول جيدا ويدرك أهمية وقيمة بلده، فقد نجحت الدبلوماسية المصرية بخبرتها الطويلة والمتراكمة فى المحافل الدولية فى تسديد ضربات قوية لكل من حاول النيل من مكانة مصر والضغط عليها، وقد تصدت لمحاولات تشويه الدولة المصرية فى الخارج، فهى تتحرك بدقة وبنظرة استراتيجية عميقة، حيث إن الزيارات الخارجية ليست فقط من أجل دعم وإنشاء علاقات جيدة مع الدول الأخرى، ولكن يكون لها أهداف أخرى تنموية تتعلق بالأوضاع الاقتصادية لمصر.
غير الدور المصرى فى الملف الفلسطينى الذى يعد انتصارًا معتبرًا للدبلوماسية المصرية، وحضورًا مهمًا لمصر فى المحافل الدولية بالتأكيد على دورها الذى لم ولن يقوم به غيرها، وتأكيدًا أيضًا على رغبتها فى تحقيق السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط، خاصة لمحيطها العربى.
كما بدا واضحًا جهود وزارة الخارجية على مدى عام فيما يخص العلاقات مع إيطاليا التى تأثرت سلبيا بقضية جوليو ريجينى، الشاب الإيطالى، الذى قتل فى القاهرة، ونتج عن الواقعة سحب إيطاليا سفيرها، وبعد جهود مضنية نجحت الدبلوماسية المصرية فى عودة العلاقات بشكل إيجابى مرة أخرى بين مصر وإيطاليا، وبناء عليه أعادت الحكومة الإيطالية سفيرها إلى القاهرة مرة أخرى، ومسألة إيطاليا تحديدًا تقودنا إلى الدور الكبير الذى تلعبه وزارة الخارجية فى الوقت الحالى، وفى هذه المرحلة الصعبة التى تمر بها مصر، كما أن بصماتها واضحة فى جعل سفارة اليونان فى الدوحة تباشر أعمال السفارة المصرية بعد سحب مصر سفيرها على إثر مقاطعة الدول الأربع إمارة الشر، وهو ما يدل على قوة ومتانة العلاقات المصرية اليونانية.
وفى ملف الإرهاب فإن سفراء مصر ورجال وزارة الخارجية فى المحافل الدولية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة يبذلون أقصى مجهوداتهم ليعرف العالم أجمع مدى ما تعانيه مصر من خطر الإرهاب، كما كان لهم الفضل ليعرف العالم مصادر تمويل الإرهاب، وتوضيح دور قطر تحديدًا فى دعمه وتمويله بمواجهات مباشرة وغير مباشرة جعلت كلمة مصر هى العليا.
صحيح أن الوزير سامح شكرى كانت له بعض السقطات جعلت للبعض ملاحظات عليه وعلى أدائه الدبلوماسى مثل ميكروفون الجزيرة، على سبيل المثال، ولكن فى الحقيقة فإن الرجل يقوم بدور وطنى لا يستطيع أحد غض النظر عنه، ويقوم بهذا الدور بشرف وقوة ونشاط كثيف، واستطاع أن يجعل الخارجية من أفضل الوزارات التى تعمل حاليا فى مصر بأداء منضبط وكفاءة ومرونة دبلوماسية كبيرة، ما يمحو أى خطأ قد يحدث.. ولأن العبرة بالنتائج فإن المصريين يشعرون بمجهود وانتصارات الخارجية ويثنون عليها، خاصة بعد معركة اليونسكو.. تحية لوزارة الخارجية ولرجالها.