الدستور
ماجد حبته
جعجعة حمساوية.. و«لوغاريتم» جديد!
هدفنا كلنا.. كلنا جميعًا.. هو «محو إسرائيل وليس الاعتراف بها» ولا نملك غير التصفيق للأستاذ يحيى السنوار، حين يعلن ذلك، كما صفق وهتف الشباب الفلسطيني في القطاع وهو يستمع لخطابه الحماسي الرائع.. لكن ماذا نفعل في اعتراف «منظمة التحرير»، صاحبة الولاية على الملف السياسي الفلسطيني؟!. وماذا نفعل في اعتراف ضمني لـ«حماس»، منذ ١١ سنة، تجدّد بشكل صريح، منذ شهور، في تلك «الوثيقة» التي تم إعلانها، من العاصمة القطرية، الواقعة، هي الأخرى، تحت الاحتلال؟!.

رئيس حركة «حماس» في قطاع غزة، لم يعجبه الموقف الأمريكي من تفاهمات القاهرة، ورآه متماهيًا مع الموقف الإسرائيلي، وقال إن الموقفين يجعلان المرحلة المقبلة أصعب، لكنه أكد في الوقت نفسه أن حركته لن تتراجع عن المصالحة، وأبدى أسفه على السنوات التي كانت فيها حماس طرفًا في الانقسام، وتعهد بألا تعود الحركة إلى ذلك. وبالنص قال: «نحن جادون في طَي هذه المرحلة، وأنا سأستقوي بالشباب الفلسطيني في كسر عنق كل من يعطل المصالحة أو التراجع عن أيّ خطوة مما أنجزناه»!.

الموقف الأمريكي جاء على مرحلتين، الأولى كانت مع بداية مباحثات المصالحة في القاهرة بين حركتي فتح وحماس، وتحدث فيها جيسون جرينبلات، مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، بشكل عام (أو عائم)، وظهرت التفاصيل بعد يوم واحد من صدور بيان تضمن سبعة شروط، انتهى إليها المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لشئون السياسة والأمن «الكابنيت»، للموافقة على بدء المفاوضات مع الحكومة الفلسطينية أهمها «الاعتراف بإسرائيل، تفكيك سلاح حماس، السيطرة الأمنية الكاملة للسلطة الفلسطينية على قطاع غزة، قطع علاقات حماس مع إيران، وأن يكون تدفق أموال المساعدات الإنسانية إلى غزة عن طريق السلطة الفلسطينية».

فورًا، وقبل مرور ٢٤ ساعة، أعلن «جرينبلات» في بيان نشرته القنصلية الأمريكية في القدس، أن «أيّ حكومة فلسطينية يجب أن تلتزم التزامًا واضحًا لا لبس فيه، بنبذ العنف والاعتراف بدولة إسرائيل وقبول الاتفاقات والالتزامات السابقة الموقعة بين الطرفين»، وأشار إلى أن جميع الأطراف اتفقت على «ضرورة أن تتمكن السلطة الفلسطينية من تسلم زمام مسئولياتها المدنية والأمنية الكاملة في غزة، وبشكل حقيقي ودون معوقات»، وقال بوضوح «إذا كانت حماس معنية بأيّ دور في حكومة فلسطينية، فيجب عليها أن تقبل هذه المطالب الأساسية»

تصريحات «جرينبلات» رفضتها حركة حماس، ووصفتها بأنها ابتزاز وانحياز أمريكي لصالح المواقف الإسرائيلية. وقالت، في بيان، إنها تمثل «تدخلًا سافرًا في الشئون الفلسطينية الداخلية، وتهدف إلى وضع العصي في دواليب المصالحة». ثم خرج «السنوار» ليقول: «ولّى الزمان الذي تعترف به حماس بإسرائيل، لا أحد لديه القدرة على النقاش في الاعتراف بإسرائيل، لأن هدفنا هو محوها من الخريطة»، وأضاف: «نزع سلاح حماس هو كحلم إبليس بالجنة، ولن تمر دقيقة في الليل أو النهار إلا وستزيد قوتنا وسيزيد سلاحنا»، وتفاخر بأن حماس نجحت خلال العامين الماضيين في إدخال سلاح يعادل ١٠ سنوات من الأعوام التي سبقت ذلك.

الأكثر من ذلك، هو أن «السنوار» طلب من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أن يستند إلى قوة حماس العسكرية في مفاوضاته: «نحن جاهزون لدعمه، لأنه سيكسب كثيرًا، وسينقل بذلك القضية الفلسطينية إلى أفضل مراحلها»، وتابع: «لقد أعددنا أنفسنا في حال فكر العدو أن يمس شعبنا بأيّ سوء، أن نكسر جيشه كسرة لا يقوم بعدها أبدًا، هذا ما وعدني به قائد القسّام وهو إذا قال صدق». ووجّه الدعوة إلى الرئيس محمود عباس لزيارة غزة متعهدًا بحمايته، مؤكدًا أنه سيسهر شخصيًا على سلامته وراحته!.

كيف نفهم هذا الكلام؟!.

لو تجاهلت المبالغات الفاقعة، وعبثية التعهد بحماية رئيس الدولة، فلن يمكنك تجاهل أن الحكومة الحالية (التي من المفترض أنها حكومة وحدة أو حكومة وفاق) وأيّ حكومة مستقبلية تابعة للسلطة الفلسطينية ملتزمة ببرنامج «منظمة التحرير» التي نكرر أنها صاحبة الولاية على الملف السياسي الفلسطيني، كما أن كلام «السنوار»، إجمالًا، يعني بوضوح أنه يحاول تكرار تجربة «حزب الله» في لبنان: المشاركة في الحكم، مع بقاء قواته العسكرية خارج سيطرة الحكومة، وبالتالي تكون السلطة «الفعلية» في يد الحركة، مقابل سلطة «صورية» أو شكلية للحكومة، وهو ما رفضه محمود عباس بشكل قاطع. والحسبة تزداد تعقيدًا لو أضفت إليها «لوغاريتم» أو «لوغاريتمات» قوات وميليشيات الفصائل المختلفة ذات الامتدادات المتعددة، التي تدّعي «حماس» عدم مسئوليتها عن عملياتها!.

نحن، إذن، أمام «لوغاريتم» جديد، وحلقة جديدة من حلقات مسلسل «الفصام» بدأت أولى حلقاته منذ ١١ سنة حين خاضت «حماس» انتخابات ٢٠٠٦، بما يعني قبولها بصيغة الحكم الذاتي الفلسطيني، وقبولها باتفاق «أوسلو» الذي أنتج تلك الصيغة، ويعني كذلك، وفوق ذلك، إقرارها حل الدولتين واعترافها بما توصف بـ«دولة إسرائيل». كما أن الصورة اتضحت بعد ثبوت أنها لم تفعل ذلك إلا بطلب أو بأمر أمريكي نقله إليها أمير قطر السابق، كما اعترف ولده «تميم»، على شاشة CNN، بالصوت والصورة. ولن أتوقف عند ما جاء في «وثيقة المبادئ والسياسات العامة» لأنها، كما سبق وأوضحنا وقت صدورها في ١ مايو الماضي، لم تكن غير مجرد كلام يخاصم بعضه، ولا وجود له على الأرض!.

..ولا تبقى غير الإشارة، إلى أن حلقات المسلسل، مسلسل «الفصام»، لن تنتهي، وأن «حماس» ستظل تفاجئنا بأحداث أكثر تعقيدًا أو بـ«لوغاريتمات» جديدة، وتكون واهمًا لو انتظرت أداءً مختلفًا للحركة «الإخوانية»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف