المساء
يسرى حسان
اكتئاب المثقفين
* في أواخر الخمسينيات. وفي مرحلة المد الثوري. أفرط صلاح جاهين. شاعر مصر الأكبر. في أحلامه. وفي أواخر الستينيات اكتشف أنه كان رومانسياً أكثر من اللازم. دخل في اكتئاب طويل ومات. فهل يكتئب المثقفون الرومانسيون. الذين مهدوا وشاركوا في ثورة 30 يونيه. وأفرطوا في أحلامهم لها؟!!.. آن لهم أن يكتئبوا بعد أن تبخرت أحلامهم الكبيرة بأسرع مما توقع. حتي مخالفوهم في الرأي والموقف. وإن كان الاكتئاب لن يعيد إليهم ثورة تكاد تُختطَف بالكامل.. مازلت أحلم بأنها لم تختطف بالكامل بعد.. لعن الله الرومانسية!!!
تواري المثقفون في أغلبهم. إما يأساً. أو إحباطاً. وإما إبعاداً. هؤلاء الذين كانوا الشرارة الأولي للثورة علي حكم الإخوان الفاشي باعتصامهم في وزارة الثقافة. أصابهم الإحباط. وربما اليأس. الغضب في هذه الحالة كلمة ناعمة. وغير مناسبة. تواري بهاء طاهر. وصُنع الله إبراهيم. أول المعتصمين. تواري سيد حجاب. كاتب ديباجة الدستور. تواري كثيرون كانوا أيقونة الاعتصام. وحضرت إلهام شاهين وأحمد بدير وأحمد موسي. باعتبارهم "قوة مصر الناعمة"!!!
ضاعت أحلام العيش والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. واستعاد الأباطرة من رجال الأعمال سطوتهم. واستعادها كذلك الشماشرجية. والأمنجية. والإعلاميون الهتيفة. البارعون في تزييف الوعي. هؤلاء الذين ـ ويا للعجب ـ يسيرون الآن في مواكب تحرسها العربات المصفحة.
دوافع الإحباط واليأس تهجم علينا من كل شاشة وجريدة. تابعة للنظام أو لرجال الأعمال. لا فرق بين الاثنين. ومن كل تصرف فج لا يبالي بالرأي العام. ومن كل قرار لصالح الأغنياء. ومن كل تعيين لمسئول نعرف فساده وانتهازيته. وعمالته لنظام مبارك. أو لنظام الإخوان. ومن كل تعذيب في السجون. ومن كل طرمخة علي جرائم نعرف من ارتكبها.. ما الذي تبقي إذن من أحلام. كانت كبيرة. لهذه الثورة؟!!
أقول للسيد الرئيس. الذي حرر مصر من فاشية الإخوان. الذي لولا انحيازه لإرادة الشعب. لتحولت البلاد الآن إلي مرتع للميليشيات الإرهابية: "قوة مصر الناعمة. تتمثل في الشعراء. والروائيين. والتشكيليين. والموسيقيين. والمؤرخين. والمفكرين. والفلاسفة. والكُـتَّاب والمبدعين عموماً".. المبدعون بحق. وليس أولئك الذين تتم دعوتهم إلي كل اجتماع وكل مناسبة باعتبارهم ممثلين لجماعة المثقفين. تلك الجماعة التي لا تستطيع دولة النهوض. إلا إذا احترمتها وقدرتها. واستعانت بأفكارها.. أين مكان هذه القوة الحقيقية من تفكيركم؟!.. دعك من أن أغلبهم لا يطل علينا من الشاشات كل ليلة. أو عبر الصحف كل يوم.. إعلامنا لا يجري سوي وراء الأشباه والإفيهات.. فهل تنتبه وتسمع إلي هؤلاء؟!.. هؤلاء معك في خندق واحد. ومازال أغلبهم ـ أرجو ألا أكون رومانسياً أكثر من اللازم ـ مقتنعاً بضرورتك لقيادة مصر في هذه المرحلة العصيبة من تاريخها.. أنت وليس أغلب من حولك سواء كانوا رسميين أو مجرد متشعلقين ومشتاقين ومستفيدين ومسيئين إلي هذه الثورة العظيمة!!!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف