دائماً تعجبني مصارحة د. محمد أبوالغار رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي حين يتحدث.. أشعر بصدقه مع نفسه ومع الآخرين.. لكنه في حديثه الأخير مع أمانة حزبه في بني سويف الذي نقلته "الشروق" يوم السبت الماضي كانت مصارحته منقوصة لأنها تناولت الآخرين بالنقد فقط.. وكان المقام يقتضي أن يتناول بالنقد. وبنفس القوة. تجربته الشخصية وتجربة حزبه التي لا تختلف كثيراً عن تجارب هؤلاء الذين ينتقدهم.
قال د. أبوالغار ان جميع الأحزاب ليس لديها ديمقراطية.. ولا يقومون بإجراء انتخابات نزيهة.. ورئيس الحزب يريد ان يتولي قيادة الحزب لمدة 100 عام.. ويوجد بها محسوبية ومصالح.. ولا توجد أحزاب معارضة حالياً.. ولا حزب أغلبية.. لأنه لا يوجد حزب يحكم.. والأحزاب التي ظهرت بعد الثورة ليست ضد السلطة ولكنها ضد التجاوزات ومع الصالح العام.
وهذا الذي قاله د. أبوالغار في شأن الأحزاب صحيح 100% لكن الصحيح أيضاً أن حزبه ـ الذي يتحدث أمام قياداته ـ يدخل بقوة ضمن هذه الأحزاب المريضة الضعيفة.. وكان الأولي به أن يوجه سهام النقد إلي قيادات حزبه قبل أن ينتقد جميع الأحزاب.
الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الذي يرأسه د. أبوالغار ليس لديه ديمقراطية ولا يقوم باجراء انتخابات نزيهة.. وفاقد الشيء لا يعطيه.. فالحزب الذي لا يجري انتخابات داخلية نزيهة كيف يكون حريصاً ـ مثلا ـ علي اجراء انتخابات برلمانية أو محلية أو رئاسية نزيهة.
ثم.. هل الأحزاب المثقلة بالديكتاتورية والمحسوبية والمصالح تصلح لأن تكون أحزاب معارضة قوية.. ناهيك عن أن تكون أحزابا حاكمة تتولي السلطة.. وتدير شئون البلاد والعباد بكفاءة؟!
لابد ان نتصارح مصارحة كاملة بأن التجربة الحزبية عندنا تعاني من العجز والفشل.. وغير مؤهلة لبناء حياة سياسية صحيحة وذلك لأسباب عديدة.. بعضها يرجع للأحزاب ذاتها وللقيادات التي تجلس علي قمتها وهي أساساً غير ملمة بطبيعة العمل السياسي.. وتتعامل مع الحزب باعتباره مشروعاً استثمارياً أو شركة مساهمة تتولي هي- أي القيادات- منصب رئيس مجلس الإدارة فيها.
وبسبب هذا الخلل في البنية والتركيبة والفهم يصبح من السهل حل وتفكيك هذه الأحزاب أو تهديدها ووضعها دائما تحت الضغط حتي لا ترفع رأسها.. واذا حدث ورفعت رأسها يسهل جداً إدخالها في دوامة التآمر والخيانات والانشقاق حتي يتم القضاء عليها.
في موضع آخر من الحديث يقول د. أبوالغار إنه لا يوجد رئيس وزراء في مصر بعد رئيس الوزراء فؤاد محيي الدين.. وأغلبهم سكرتارية عند رئيس الجمهورية ينفذون سياسة الرئيس والأمن فقط.. والشيء الوحيد الذي تم تغييره بعد ثورة 25 يناير هو اختفاء الفساد الأكبر بنسبة 19% لأن الوزراء والحكومة أصبحوا يخافون من الشعب.. مشيراً إلي ان الشباب محبط وكل الفئات في مصر مظلومة ولم تحصل علي حقها ولا يوجد عدالة اجتماعية والدستور الحالي حل كل ذلك ولكن المشكلة في عدم التطبيق.
حسناً.. جميلة هذه المصارحة فعلاً.. لكنها تظل- كما قلت- مصارحة منقوصة.. ولكي تكتمل لابد أن نسأل د. أبوالغار وأمثاله: أين دوركم.. ماذا فعلتم يا أهل السياسة وماذا تفعلون الآن.. ثم ماذا يجب عليكم أن تفعلوا؟!