بوابة الشروق
مزن حسن
أنا أيضا Me too
أنا_أيضا، أنا_كمان، me_too، كان هذا هو وسم «هاشتاج» الذى انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى عالميا خلال الأيام السابقة، حكت من خلاله النساء عن تجاربهن مع التحرش الجنسى. وبشكل ملفت، قد كان لمصر نصيب ليس بالقليل من المساهمة فى نشر هذا الوسم، ومن ثم الحكى عن تجاربهن. وهنا فيجب الإشارة إلى أنه لم يكن هذا أول وسم يتعرض لتلك القضية، بل سبقه آخر حمل عنوانا – أول محاولة تحرش كان عمري _ وسبق ذلك العديد من الحملات انتهزت فيه النساء الفرصة للبوح بتجاربهن.
ومع محاولة قراءة ما حكيت عنه النساء وبينما نجد أن أغلب تجاربهن مع التحرش حدثت فى سن صغيرة، ونسبة ليست بالقليلة حدثت من أشخاص فى محيط العائلة وفى ظل مجتمع أكبر يتعامل مع تلك القضايا كقضايا شائكة، نجد أن لزاما علينا أن نحاول الوقوف والتمعن فيما يحدث داخل مجتمعنا.
وفى الحقيقة فإن نضال النساء المصريات لكسر حاجز الصمت والتواطؤ على ما يحدث داخل مجتمعاتها من عنف وتمييز يرجع لسنوات عدة وتاريخ طويل. وقد دفعت تلك النساء أثمانا من تشويه سمعتهن ومحاكمتهن وإقصائهن فقط لأنهن قمن بتبنى تلك القضايا. هذا التاريخ الطويل من النضال الذى فتح مجالا عاما واسعا ليصبح الحديث عن تلك القضايا أمرا مجتمعيا يراه الأغلب يوميا ويتفاعلون معه سواء بالقبول أو التعاطف أو الرفض والتجاهل أحيانا أخرى لكن لا يمكن إنكار وجوده فى النهاية.
لكن يظل ملفتا للنظر طبيعية ردود الأفعال الأولية حول تلك الحوادث حتى اليوم، والتى تعبر لدى البعض عن الصدمة أو الرفض الأولى أو الاتهام لصاحبات تلك القصص بأنهن يساهمن فى تشويه سمعة الوطن، أو المبالغة، أو اعتبار تلك القضايا وكأنها الأولى من نوعها وسابقة فى تاريخ مصر.
***
وهنا يشغلنا السؤال: هل نسى أم تناسى هؤلاء قصصا متعددة وبشعة يسمعونها عن التحرش أو الاعتداء داخل محيط العائلة، ونساء يتعرضن لاغتصاب أزواجهن، أو حادثة فتاه العتبة فى أوائل التسعينيات، أو حادثة الاعتداء على الصحفيات أمام مقر نقابة الصحفيين عام 2005، أو حوادث الاعتداءات والتحرشات الجماعية فى الأعياد المصرية عام 2006، أو قضية نهى رشدى فى عام 2008 عندما حصلت على حكم سجن 3 سنوات ضد المتحرش بها، أو ما تعرضن له مئات الناجيات من الاعتداءات الجنسية الجماعية والاغتصابات الجماعية فى ميدان التحرير والمناطق المحيطة بها والموثقة منذ 2012 وحتى يونيو 2014، أو حادثة فتاة الزقازيق التى تعرضت لهذا النوع من الاعتداء، وكل هذا على سبيل المثال وليس الحصر. ثم مؤخرا وليس أخيرا الفتاة التى عرفت قضيتها بفتاة المول والتى بعد سنتين من الحكم على المتحرش بها قام بتشويهها انتقاما منها.
وهنا فيمكن القول إن الالتزام دائما وفقط برد الفعل المعبر عن الصدمة من حدوث تلك الجرائم أو الاندهاش أو الرفض المطلق دون النظر إلى أسباب وعوامل تسببت فى ذلك منها هذا التجاهل لسنوات طويلة والاكتفاء بالبحث عن حل وحيد ووسيلة وحيدة لوقف هذا العنف هو أمر غير مجدٍ. ولنأخذ حادثة «فتاة المول» مثالا. إذ تعرضت تلك الفتاة للتحرش منذ سنتين ومع السير فى الإجراءات القانونية التى لا تتبع فى أغلب الأوقات معايير الحفاظ على السلامة النفسية والجسدية للناجية تم حبس المتهم ودفع غرامة، وبعد سنتين استطاع الوصول إليها والانتقام منها بتشويه وجهها. وعندما نسأل لماذا حدث ذلك نجد أن نظام القانون المصرى لا يراعى خصوصية بيانات الناجيات ولا يوجد قانون يحمى الشهود والمبلغين. وهذا، فإن هذا الرجل الذى هو بحكم القانون المصرى معتد، هو نفسه من يحمل ورق القضية الذى يشمل اسم الفتاه كاملا ورقمها القومى وعنوان منزلها! وبعد ذلك نندهش من أن نساء لا يردن السير فى الإجراءات القانونية خوفا على حياتهن.
***
ومع تعامل الدولة طوال الوقت بخطاب أنها تدعم وترعى النساء فمازال غير مفهوم حتى اليوم معوقات تطبيق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف التى تم إقرارها من سنوات، ولا نعلم لماذا لا توجد وحدة مختصة داخل أقسام الشرطة المصرية خاصة بالتبليغ عن حوادث العنف ضد النساء، ولكننا نعلم لماذا ليس لدينا محاكم لنظر قضايا العنف كمحاكم مختصة وذلك لأن ليس لدينا قانون موحد يجرم العنف ضد النساء، وليس لدينا وكلاء للنائب العام نساء، ولدينا عدد قليل من النساء القاضيات فى المحاكم الجنائية، وأن مجلس الدولة يرفض تعيين النساء قاضيات.
ومع التضييق الدائم على المنظمات والجمعيات النسوية بمختلف الطرق وترك المجال مفتوحا لتشويههن ورفض وجودهن يبدو واضحا كيف لا يتم إتاحة مساحات أكبر لمناقشة القضايا، والتعامل مع المعنفات والناجيات من العنف، من أجل تحليل أوجه قصور التعامل معهن. فى ظل حقيقة أن العمل على تلك القضايا لتصبح بجدية يحتاج مجتمعا مدنيا فاعلا وقويا ومساحات لحركة نسوية تأخذ على عاتقها هذا العمل.
إن نساء هذا الوطن وغيره من الأوطان يستحقن مساحات للحديث عما يتعرضن له من عنف ويستحقن حماية لأجسادهن وحياتهن وتكاتف الجميع ليخضن رحلتهن للنجاة من تلك التجربة. ولأن فى هذا الوطن نساء كافحن ليس فقط ليصبح وسم مثل «أنا _أيضا» مساحة للتعبير عن تجاربهن، ولكن لتصبح حياة تلك النساء أقل عنفا، وتجارب العنف ضدهن لا تستحق الاهتمام فقط، بل أن ترى كأمر جلل، تستحق مواجهته موضعا فى قلب أحلامنا بالتغيير لنصبح مجتمعا أفضل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف