عماد الدين حسين
ماسبيرو.. إعادة اكتشاف كنز قومى
وحدهم القادة المتميزون يملكون الرؤية الواقعية، والأفكار الإبداعية، والحلول الابتكارية من خارج الصندوق، والبحث الدائم عن أفضل البدائل. هم وحدهم من يحملون عمق الفكر المؤسسى تخطيطاً ونهجاً بعيداً عن الأجندات الشخصية والمنافع الوقتية، هؤلاء هم القادرون على تحويل التحديات إلى فرص لأنهم يحرثون أرض الأمل بمعوَلِ العمل.
تابعت مؤخراً لقاءً تليفزيونياً استثنائياً لبرنامج «حوار الأسبوع» بالقناة الفضائية المصرية، للإعلامى المتميز محمد الجندى مع أحد أبناء الوطن اللواء طارق المهدى عضو المجلس العسكرى السابق ومحافظ الإسكندرية الأسبق. كان الحوار عن تشخيص التحديات، وتحديد مكامن القوة فى «ماسبيرو»، أحد الكنوز المصرية. توقعت أن يتناول الحديث عواقب تراكم سنوات من المحسوبية والفساد والشائعات، وضعف الإمكانات وغياب مؤشرات الأداء والإنتاجية والفعالية، وتداخل اختصاصات المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية وغيره من أوجاع تنظيمية وإدارية مؤلمة. ولكن وعلى غير المتوقع، أخذ الحوار منحى آخر بين إعلامى يتحلى بالمهنية وحسن الإنصات تصاحبها نظرات تحدّق باهتمام يتلوها طرح موضوعى لما فى جعبته من نقاط، وبين ضيف يمتلك تجربة قيادية ناجحة رغم قصرها فى ترؤسه ماسبيرو فى أصعب أوقاته (فبراير 2011)، تستشف من حديثه فكراً تنموياً وبصمات من خارج الصندوق. أدركت خلال الحوار أننا أمام أشعة رنين مغناطيسى لماسبيرو إصدار 2017، تكشف لنا ثلاث حقائق أساسية لهذا الكنز القومى.
أولاً: ماسبيرو هو ذاكرة الوطن وأرشيفه الإعلامى فى تشكيل العقل الجمعى المصرى والعروبى، وبالتالى لا تنازل عن استعادة «الريادة»، ليستأنف دوره المحورى حيث خرج من رحمه رواد الإعلام فى مصر وخارجها.
ثانياً: ضبابية البيانات تحول دون نجاح أى مشاريع تطويرية، ولهذا فكما تمكن الضيف فى (55) يوماً من الإلمام ببيانات وهوية ماسبيرو آنذاك، فالمطلوب من الهيئة الوطنية للإعلام تحديث معلومات تلك الأشعة التشخيصية بمجهر الموضوعية والمقارنة المعيارية مع الأوضاع المحلية والإقليمية، والتجارب العالمية الناجحة بمصداقية، لتحديد نقاط القوة وفرص التحسين، وأهمها التدريب بفكر الشراكة التكاملية مع القطاع الخاص بعيداً عن مسكنات لجان التطوير التقليدية.
ثالثاً: التعامل مع «ماسبيرو» باعتباره صرحاً «ربحياً» وليس عبئاً «مالياً» من خلال تخصيص آليات ومبادرات إبداعية لتوليد مصادر للدخل مثل استغلال قاعات واستوديوهات، والاستفادة من الموقع الفريد عل ضفة نهر النيل، وكلمة العبور هنا هى «الشراكة المؤسسية» القائمة على الشفافية والربحية.
أهم ما استوقفنى فى حديث اللواء المهدى هو أن المسئولية القانونية والمجتمعية لكل من يقود جهازاً أو هيئة أو وزارة، ليست بالمحاسبة عما فعل ولكن عما لم يتم فعله وكان يمكن فعله؛ وآنذاك سنكون أمام تحديد واقعى وبالأرقام لهدر المال بل وخيانة الوطن بالتكاسل والتقصير، وترحيل الحلول وتفادى العمليات الجراحية.
باختصار: ماسبيرو يحتاج مايسترو يُتقن تجاوز التحديات بمنأى عن بروتوكولات شكلية مرتبطة ببصمة الحضور والتصريحات والمحاباة وقصر النظر.. مايسترو يتمتع برؤية بانورامية تواكب مستقبل الإعلام الرقمى بروح المواطنة الإيجابية الحقيقية، التى لا تعترف بإطار زمنى بشغل الوظيفة ولكن بإنجازات ونجاحات بعضها حالية وأخرى مستقبلية سيتذكرها الجميع؛ وأثرُ الوزير الكفراوى الحاضر حتى اللحظة كقدوة فى الإدارة الرشيدة والتفانى والنزاهة خير دليل.
والسؤال هنا: هل يمكن عقد منتدى عالمى يكون الأول من نوعه بهدف: «إعادة اكتشاف كنوز ماسبيرو، أحد أهرامات مصر الإعلامية القومية»، برؤية استشرافية وبدعوة «شركاء ومستثمرين» داخلياً وخارجياً، علّنا نشهد ميلاداً جديداً لماسبيرو قبل الاحتفال بيوبيله الماسى فى يوليو 2020، ليواصل هذا الصرح رسالته الريادية كإحدى علامات مصر الحضارة والمستقبل.