منى حلمى
الهواء.. الأشجار.. الغابات
إن الدول الصناعية الكبرى، نتيجة لتقدمها الصناعى والتكنولوجى، هى التى شاركت، وما زالت تشارك بنصيب أكبر فى تلويث البيئة العالمية. ويقتضى المنطق العادل تبعًا لذلك، أن تتحمل هذه الدول الثمن الأكبر، فى حل مشكلات البيئة، وانتهاك التوازن الطبيعى للحياة.
الدول الصناعية الكبرى مدعوة للتخلى عن قيم السيطرة والتعصب والاستغلال وهوس الاستهلاك. إنها القيم التى تعكس نفسها، فى المزيد من قهر الطبيعة، وتدمير الموارد البيئية، وإهدار حق الأجيال القادمة، فى بيئة نظيفة خضراء متوازنة آمنة.
وصلنا إلى مستويات غير مسبوقة، من التقدم العلمى والتكنولوجى، لكن البشرية فى أيامها الأولى، كانت أكثر سعادة، وأكثر إحساسًا بالتناغم والتصالح، مع الطبيعة والبيئة.
الآن نعرف أكثر، نستهلك أكثر، نملك أكثر. لكن يبقى المحك الحقيقى هو نوعية الحياة، وأى إطار من القيم، تتم فيه هذه المعرفة والاستهلاك والملكية. لقد أصبح الاستهلاك فى حد ذاته «غاية»، نلهث وراءها لحل مشكلات نفسية عديدة، أولها وأهمها الإحساس بالعجز، وعدم التحقق، والخواء الداخلى.
الوعى البيئى فى جوهره هو خلق العقلية ذات الحساسية، تجاه مشكلات البيئة. وإدراك العلاقة المتبادلة بين الإنسان والبيئة المحيطة من ناحية، وبين البناء السياسى والاقتصادى والثقافى، وانعكاساته على التعامل مع البيئة، من ناحية أخرى.
وفقًا لهذا الوعى، تكون مشكلة الفقر أو الظلم الاجتماعى من ملوثات البيئة، وليس فقط المشكلات المادية، مثل استنزاف الموارد الطبيعية، فالفقر، أو الظلم الاجتماعى، فى خطورة انتهاك التوازن الطبيعى للحياة، مثل قطع الغابات، أو تلويث المياه، والهواء.
الفقر يلوث كرامة الإنسان، والظلم ينتهك إنسانية الإنسان. هناك تيار جديد عالمى يعرف باسم التيار النسائى البيئى، والذى يفسر انتهاكات البيئة بأنها من إفراز العلم الذكرى، ذى النظرة الاستعمارية للأرض، والطبيعة، والهواء، والبحار، والماء، والأشجار، والنساء.
الطبيعة أو الموارد الطبيعية ينظر إليها، كما ينظر الفكر الذكرى للمرأة.. أى «شىء»، مباح للاغتصاب، وإيقاع العنف، والتحرش. إن كلًا من الطبيعة، والمرأة، فى الحضارة الذكورية، جبهتان على الرجل أن يقهرهما ويخضعهما. ولذلك فإن تحرير الطبيعة، وتحرير النساء، غير ممكنين دون التخلص من القيم الذكورية، التى لم تنتج طوال تاريخها، إلا التدمير والموت والحروب.
إن كل أشكال التفرقة تخدم بعضها بعضًا.. ولذلك فإن تغيير مقولة «الرجل» سيد الطبيعة، مرتبط بتغيير مقولة إن الرجل سيد المرأة، وإن الرجل الأبيض سيد الرجل الأسود، وإن دول الشمال تسود دول الجنوب، وإن الغنى سيد الفقير.. إن الثورة البيئية، التى تتزعمها النساء فى العالم، مثلما ترفض اغتصاب حقوق الطبيعة، من أجل حمى الاستهلاك، ترفض اغتصاب حقوق النساء، وحقوق الشعوب.
من بستان قصائدى
ألم الجسد
هو صرخة الروح
وألم الروح
هو احتجاج الجسد.