د . أحمد الخميسى
مذيعات التليفزيون.. «قمر يا ست»
بعد بدء البث التليفزيونى فى مصر بقليل، شرعت ليلى رستم، مقدمة البرامج المعروفة، فى بث برنامجها «نجمك المفضل».. وتضمنت إحدى حلقاته لقاء مع طه حسين، فى حضور نجيب محفوظ ومحمود أمين العالم ويوسف السباعى وغيرهم.
تحدث طه حسين عن مفهوم القصة الفلسفية، وضرب مثالا بألبير كامو، فأضافت ليلى رستم: «إن هناك مدرسة قائمة على كتابة القصة الفلسفية، مثل كامو وجان بول سارتر»، فأوقفها طه حسين قائلا: «لأ.. لأ.. سارتر غير كامو» وعلقت بقولها: «أيوه.. لكن»، فزجرها طه حسين بنبرة حاسمة: «لأ.. لأ.. معلش»، وواصل حديثه. ولم تفتح ليلى رستم فمها بحرف، مع أنها كانت شديدة الاعتزاز بنفسها، لكنها تعلم أن هناك قواعد وآدابا للحوار.
تذكرت هذه الواقعة بعد أن قامت مؤخرا مذيعة شابة هى مروج إبراهيم بتسخيف العالم الكبير د. عاصم دسوقى، فى برنامجها «ما وراء الحدث»، الثلاثاء ١٧ أكتوبر، إلى حد أن القناة «إكسترا نيوز» كانت مرغمة على وقفها عن العمل ونشر بيان جاء فيه أن «المذيعة أساءت إدارة الحوار، ولم تلتزم الأسلوب اللائق مع ضيف البرنامج، إلى آخره». وقد تُدخل موقف د. عاصم دسوقى من قضية أخرى هى تيران وصنافير فى تحييد قطاع من الرأى العام لم يتعاطف معه، وتغييب موضوع التدهور المهنى لمقدمى البرامج التليفزيونية. ليس فقط الغطرسة والاستعلاء الكاذب، بل الجهل العميق أيضا هو ما يتسم به معظم مقدمى البرامج التليفزيونية. وأذكر أننى دعيت ذات مرة إلى لقاء تليفزيونى عن الأدب الروسى، وظلت مقدمة البرنامج تعدل شعرها يمينا قليلا ثم يسارا قليلا، وتبتسم للمصور، وتسأله: حلو كده؟ فيقول لها: قمر يا ست! فتقول له: طيب وكده؟. فيقول: وكده برضه حلو، هكذا لمدة نصف الساعة، وأخيرا بدأ التسجيل، فكان أول ما نطقَت به أن العالم كله يعرف الأدباء الروس العظام، مثل توليستوى وكافكا!.. هكذا ضمت كافكا الألمانى- النمساوى الأشهر إلى الروس! حلو قوى يا ست.
وفى مجال الغطرسة والجهل والتجرؤ على الآخرين سبقت أمانى الخياط الكثيرين، حين قامت فى يوليو ٢٠١٤ بنبرتها المتعالية بسب الشعب المغربى كله قائلة إن الدعارة تشكل أحد أهم دعائم الاقتصاد المغربى! وإن المغرب يشغل مكانا متقدما بين الدول المصابة بالإيدز! واضطرت القناة للاعتذار، بعد وقفة احتجاج طوقت السفارة المصرية فى المغرب! فى أكتوبر ٢٠١٥ أوقفت قناة «النهار» الفضائية، المذيعة ريهام سعيد وبرنامجها «صبايا الخير»، بعد حلقة عن فتاة تم التحرش بها مع عرض صور شخصية للفتاة بملابس وصفتها مواقع التواصل بأنها فاضحة.
وفى فبراير ٢٠١٦ أثار خيرى رمضان فى برنامج «ممكن» بقناة «سى بى سى» غضب أهل الصعيد كله، حين دعا تيمور السبكى الذى ادعى كذبا أن ٣٠ ٪ من نساء الصعيد قابلات للانحراف و١٥٪ منهن خائنات بالفعل، ووصل الأمر لحد الحكم بالسجن على تيمور.
فى أغسطس من العام الحالى، أوقفت نقابة الإعلاميين المذيعة دعاء صلاح مقدمة برنامج «دودو شو»، بعد أن أثارت ضجة بظهورها فى إحدى الحلقات وهى حامل بدون زواج، لمناقشة قضية الأم التى تستطيع أن تحيا من دون زواج أو رجل! وجاء فى بيان النقابة أنها ظهرت بملابس غير لائقة، ودعت إلى إمكانية شراء رجل لغرض الحمل فقط! ثم تنفصل عنه بمجرد حصوله على مبلغ مالى.
وفى هذا السياق من تدنى المستوى المهنى جاءت حلقة مروج إبراهيم مع د. عاصم دسوقى. والمشكلة لا تخص مقدمى البرامج وحدهم، بل القنوات ذاتها التى تسعد كثيرا بالضجة والإثارة وتسخين القضايا التافهة لاجتذاب نسبة مشاهدين أكبر، وفى سبيل ذلك الهدف يصبح هذا النوع من مقدمى البرامج ضرورة لتلك القنوات. وإذا نحيت جانبا الغطرسة، والاستعلاء، والتجرؤ، مع الجهل العميق، فسترى أن عددا غير قليل من أولئك الفرسان لا يعرفون لدورهم حدودا، من نوع جابر القرموطى، وهو نوع تستمع إليه فيخيل إليك أن عبء كل ما يحدث فى مصر يقع على كاهله هو، وحده، وأنه زعيم يخاطب شعبه، ولهذا يصرخ طوال الوقت، ويجأر، ويدق على المنضدة بقبضة حديدية، ويحدق بالمشاهد كأنما سيعلن الحرب!
وعادة فإن لمثل هذا النوع الخطابى الزعامى فكا فولاذيا لا يتعب، سعة عشرة برامج، تنظر إليه ويخيل إليك أنه «مذيع معمر» يمكنك أن تقتنى واحدا منه مطمئنا إلى أنه سيظل يصرخ عشرين عامًا، ولا يتلف فيه سلك أو لمبة.
من المؤسف أن مقدمى البرامج، الآن، لا ينظرون خلفهم ليستفيدوا من خبرات نماذج إعلامية عظيمة، مثل سميرة الكيلانى، وسلوى حجازى، وأمانى ناشد، وأحمد سمير، وحمدى قنديل، وغيرهم.
هناك معايير لمقدم البرامج، فى مقدمتها الثقافة، واحترام الآخرين، أما الصراخ، وتضخيم الجهل، والملابس المثيرة، وتسخيف الضيوف، فتلك حاجات مهنة أخرى.