الدستور
ماجد حبته
كوارث الـ«هجّاصين».. ونقابة الإعلاميين!
فعلًا، الأستاذ «مكرم محمد أحمد بيقول أي كلام، والنقابة مختصة بالتحقيق في التجاوزات التي تصدر من الإعلاميين». ولا أتفق مع ما قاله الأستاذ حمدي الكنيسي، الوارد بين علامتي التنصيص، لأنني أستخف دمه، بل لأن القانون يقول ذلك. ويدعو للأسف ألا يجهد الأستاذ مكرم نفسه قليلًا، ويقرأ القانون، قبل أن تأخذه الجلالة أو العزة بالإثم، ويُصعّر خده للأستاذ الكنيسي، أي يُعرِض بوجهه عنه، تكبرًا واستكبارًا. فإذا به يمنح أي عابر سبيل، قرأ القانون، الفرصة كي يستغل هذا الوضع ويربت على ذلك الخد، أي «يطبطب بلا طرقعة»، لا بقصد إهانته، وإنما أملًا في إفاقته!.

القانون، قانون نقابة الإعلاميين، يعطي النقابة الحق في أن تحاسب تأديبيًا من لا يمتثل لمواد القانون أو يخالف ميثاق الشرف الإعلامي. ومع ذلك قال رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام: «ليس من حق نقابة الإعلاميين اتخاذ قرار بشأن وقف أي برنامج عبر أي فضائية». وعلى عومه عامت الأستاذة إلهام أبوالفتوح، العضو المنتدب لمجموعة قنوات «صدى البلد»، وقالت إن إدارة القناة ملتزمة بهذا الكلام، ووصفته بأنه «قرار»، زاعمةً أن «نقابة الإعلاميين ما زالت تحت التأسيس، وأن قرارات وقف المذيعين حق أصيل للمجلس الأعلى فقط».

الأستاذ مكرم بدا مرتبكًا، وهو يحاول أن يمسك عصا، لا وجود لها، من المنتصف، فكان طبيعيًا أن يُمسك الهوا بيديه، و«آه م الهوا»، خصوصًا لو حللت عليه ضيفًا، بصفتك وشخصك، ثم وجدت نفسك مطالبًا بحكم موقعك، أي بصفتك، باتخاذ إجراء ضد البرنامج الذي حللت ضيفًا عليه، لأنه قام بالترويج لما وصفه الأستاذ مكرم بأنه «بضاعة زائفة وهجص». والـ«هجص» كلمة تعيش معنا منذ أيام قدماء المصريين وكانوا ينطقونها «هقص» ومنها جاءت كلمة «هجاص»، و«hoax» في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، بمعنى يخدع أو يقوم بالتنكيت، وهو المعنى الذي يليق بتصريحات الأستاذ مكرم التي أراد بها تبرير أخطاء مهنية فادحة بـ«تأخر صدور البيان الرسمي»، وكذا محاولته نفي اختصاص كفله القانون لنقابة الإعلاميين.

قد يقول الأستاذ مكرم، كما قالت من عامت على عومه، إن النقابة ما زالت تحت التأسيس وإن مجلسها الحالة (أو لجنتها التأسيسية) مجرد لجنة مؤقتة لحين تأسيس النقابة وتشكيل الجمعية العمومية. لكنك لو عدت إلى القانون رقم ٩٣ لسنة ٢٠١٦ الخاص بإصدار قانون نقابة الإعلاميين، ستجد المادة الثالثة تقول: «تباشر لجنة التأسيس المشار إليها في المادة الثانية أعمالها بمجرد تشكيلها و.... و..... تتولى مؤقتًا إدارة جميع أعمال النقابة المنصوص عليها في القانون المرفق أو أي قانون آخر وتنتهي مهمتها بانتخاب مجلس إدارة للنقابة».

اقلب تلك الصفحة، واذهب إلى قانون نقابة الإعلاميين (القانون المرفق)، ستجد أن بين أهداف النقابة، حسب نص المادة الثالثة، «ضمان أداء الإعلامي لرسالته في تبصير المجتمع بقضاياه والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة في إطار الالتزام بأحكام الدستور والقوانين وميثاق الشرف الإعلامي». وستجد أن عمل الإعلامي يحكمه «ميثاق شرف إعلامي» بحسب المادة الخامسة، التي قالت: «يكون الميثاق ملزمًا للإعلاميين، وتتم مساءلة أعضاء النقابة تأديبيًا عن الأفعال المرتكبة بالمخالفة لأحكامه».

صحيح أن ميثاق شرف، ما زال حتى الآن مجرد مشروع، لم يتم إقراره ولم تنشره الجريدة الرسمية، لكنك لو ذهبت إلى المادة ٦ ستجدها تتضمن قواعد وأحكام للميثاق حددتها في خمس نقاط، بينها «الالتزام ببث وإذاعة الحقائق من مصادرها دون تجهيل والتحقق من سلامتها والبعد عن نشر الأخبار الكاذبة أو الشائعات». و«احترام النظام العام والآداب العامة ومقتضيات الأمن القومي». و«التأكيد على المسئولية الاجتماعية للإعلاميين في خدمة قضايا المجتمع».

اقلب الصفحة وكمان صفحة، واستمر حتى تصل إلى الصفحة ٢٧ من الجريدة الرسمية، العدد ٥٢ مكرر (أ) الصادر في أول يناير ٢٠١٧، وستجد المادة ٦٩ تقول: «مع عدم الإخلال بالمصالح العليا للبلاد ومقتضيات الأمن القومي، يلتزم الإعلامي في سلوكه المهني بالشرف والأمانة والنزاهة. وأن يقوم بجميع الواجبات التي يفرضها القانون واللائحة الداخلية وميثاق الشرف الإعلامي». وتلك هي المادة التي استند إليها مجلس النقابة ليقرر، في اجتماع طارئ عقده صباح الأحد، إيقاف برنامج «على مسئوليتي» على قناة «صدى البلد»، بسبب ما قدمه من تجاوزات في حلقة السبت ٢١ أكتوبر، وكذا إيقاف مقدم البرنامج لحين انتهاء التحقيق معه، «مع متابعة التصرف الجنائي في الواقعة أمام النيابة العامة».

بالطبع، ليست تلك هي المرة الأولى التي يخطئ فيها مقدم البرنامج، كما أنه ليس المخطئ الوحيد. صحفيون وإعلاميون كثيرون اعتادوا أن يرتكبوا أخطاء مهنية، أخلاقية.. وقانونية فادحة، ولم يكن ما شاهدناه وقرأناه طوال اليومين الماضيين من «بضاعة زائفة وهجص»، حسب وصف الأستاذ مكرم، غير جرس إنذار أعلى ضجيجًا من سابقيه، اعتقدنا أنه يكفي وزيادة ليتحرك «المجلس الأعلى للإعلام، «الهيئة الوطنية للإعلام»، «الهيئة الوطنية للصحافة».. و«نقابة الصحفيين». لكن، وبكل أسف، لم نجد غير محاولة من لمنع «نقابة الإعلاميين» التي قررت وحدها أن تقوم بدورها.

..وأخيرًا، إياك أن تعتقد أن ما سبق يعني موافقتي على إيقاف برنامج، أي برنامج. فلو كان القرار بيدي لاكتفيت بلفت نظر المخطئ أو المتجاوز، وأحلت الأمر إلى النائب العام مستندًا إلى المادة ١٨٨ من قانون العقوبات التي تعاقب بالحبس أو الغرامة أو بكليهما، كل من نشر بسوء قصد أخبارًا أو شائعات كاذبة من شأنها.. إلخ. وإن كانت المادة ٨٠ (جـ)، التي تعاقب بالسجن هي الأنسب، لأننا في حالة حرب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف