إبراهيم ربيع
قراءة فى تلمود الإخوان «رسالة التعاليم» 1– 4
مقدمة أولية: سيلاحظ من يقرأ فى رسائل حسن البنا أن لديه قدرة وبراعة اللعب بالألفاظ ونقش الكلمات الأخاذة ونظم الجمل البديعة وسبك الأساليب الحماسية المليئة بالمبالغة والمحسنات البديعية كأنها أبيات شعر مفعمة بالعذوبة والجمال ما يجعل القارئ غير الإخوانى لا يلقى بالا لما وراء هذه الكلمات والجمل من صراحة المعانى وفجاجة النوايا ووضوح الخطط الممنهجة والهدف المتبدى فى كل رسائله عموما ورسالة التعاليم خصوصا.
ولابد أن نذكر فى هذا المقام أن حسن البنا لم يترك إلا مجموعة الرسائل ومذكرات الدعوة والداعية وهما لا يحملان مضمونا فكريا ذا منهجية فلسفية يمكن مواجهته بالحجة والدليل والبرهان أو مناقشته أو الأخذ منه أو الإضافة إليه أو تصحيح اخطائه كطبيعة أى علم أو فكر إنسانى له منهج وبنيان ولكن البنا ترك تعليمات لأعضاء تنظيمه وجملاً توجيهية لاتباعه ومريديه بمعنى أنه أسس تنظيما بالمخالفة للقانون وترك له تعليمات تنظيمية أى ان التعامل معه يكون من خلال أدوات إنفاذ القانون.
تدليس ومراوغة
وهناك قول به الكثير من التدليس والمراوغة والخداع وهو أن حسن البنا كان داعية تربويا مسالما يسعى لنشر الفضائل الأخلاقية والقيم الإنسانية وأن إخوان اليوم قد انحرفوا عن نهج البنا المسالم الوديع ويجب الرجوع بالإخوان إلى لحظة البنا الجميلة على حد إيهام المخادعين المروجين لهذا الوهم.
ونقول إن ما خطه البنا فى رسائله يدل على أن حسن البنا لم يكن مسالما ولا وطنيا بل كان صريحا واضحا منذ لحظته الأولى فى معاداته للوطن والمواطنة وللدولة ومؤسساتها ومتخندقا خلف دعوته السامية وفكرته المقدسة على حد تعبيره التى تعزل كل من يؤمن بها وينتمى إليها ويبايع قادتها فى قمقم التنظيم السرى لا يرى إلا ما يراه التنظيم ولايسمع إلا ما يقوله قادته.
وهذا يبرهن على ان إخوان اليوم هم إخوان الأمس وهم أيضا إخوان الغد إن تركناهم للغد الفرق فى سنوح فرص التمكين والانقضاض على الدولة وممارسة العنف المؤجل كعقيدة تنظيمية وإعلان تحالفات الجاسوسية والتآمرالتى كان يخفيها حسن البنا الغامض غامض فى موطنه الأصلى ونشأته وغامض فى انتقاله من المحمودية بالبحيرة إلى الإسماعيلية وهو ابن 22 عاما وتأسيسه التنظيم فى مجتمع لم ينشأ به ولا يعرف فيه أحد ولا يعرفه أحد منذ طفولته حتى يستجيب له هذه الاستجابة السريعة ويجعله مرشدا له وتلقيه تمويلا أجنبيا بمبلغ خمسمائة جنيه مصرى فى عام 1930 ميلادية من بريطانيا المحتلة لمصر آن ذاك وذلك باعترافه هو فى مذكراته ولك عزيزى القارئ أن تقارن هذا المبلغ كم يساوى اليوم وماذا سنصنف تنظيما سريا غامضا ناشئا الآن وتلقى تمويلا من سفارة أجنبية لدولة معادية بما يزيد على عشرة ملايين جنيه؟!
السمع والطاعة
وكتاب مجموعة الرسائل للبنا هوالكتالوج الذى يسير عليه التنظيم الأمس واليوم وأهم هذه الرسائل وأخطرها «رسالة التعاليم»
ورسائل البنا عموما وهذه الرسالة خصوصا هى التلمود الإخوانى وإن شئت قل القرآن الموازى الذى يقدسه أعضاء التنظيم أكثر من تقديسهم لكتاب الله وحسن البنا واجب الاتباع عند التنظيم أكثر من النبى صلى الله عليه وسلم بمعنى أنك إذا قلت للإخوانى قال الله تعالى أو قال رسول الله ربما يستجيب بينما إن قلت له قال الإمام الشهيد فسيطرق السمع ويحدق البصر ويصغى الفؤاد وتسيل مدامعه ويقشعر جلده وينطلق كالسهم فى تنفيذ الأمر توا.
وتمثل هذه الرسالة الميزان المعيارى التى يوزن به انتماء وولاء أى فرد بالتنظيم السرى وهذه بمثابة الشفرة المفسرة لغموض التنظيم السرى داخل التنظيم الإخوانى لاحظ بماذا عنون رسالته «التعاليم» هذا هو اسمها ومضمونها أيضا تعاليم وليس فكرًا أو رأيًا.
يقول فى مطلع رسالته «التعاليم»:
«فهذه رسالتى إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها أو يموتوا فى سبيلها إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات وهى ليست دروساً تُحفظ ولكنها تعليمات تُنفذ فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون أما غير هؤلاء فلهم دروس ومحاضرات وكتب ومقالات ومظاهر وإداريات»
(لاحظ من مقدمة الرسالة أنها للإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين بحسب كلام حسن البنا أى أنها لتنظيم داخل التنظيم لا يعرفه أحد ولا حتى باقى الإخوان ولاحظ «الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم» الإيمان يعنى العقيدة المتوغلة فى العقل والوجدان وعمق الشعور ولاحظ «سمو وقدسية» وما تلقيه هذه الكلمات فى الوعى الباطن من مشاعر وبرمجة وما ينتج عنها من سلوكيات ومواقف يعنى أنت تؤمن بدعوة سامية وما دونها من دعوات وضيع ومتدنى وتؤمن بفكرة مقدسة يعنى سحب قدسية الدين السماوى المنزل من عند الله على النبى المعصوم واضفاء تلك القدسية على الفكرة الإخوانية ومن ضرورات ذلك ألا تتردد ولا تناقش لأنك لو فعلت فستقع فى مخالفة فكرة مقدسة ولاحظ «يموتوا فى سبيلها» وليس فى سبيل الله كما يزعمون وانظر إلى ماقاموا وما يقومون به من أعمال فى سبيل ما آمنوا به حتى لو وصل الأمر بلبس حزام ناسف يمزق جسده أو قيادة سيارة مفخخة تبعثر أشلاءه ولاحظ «ليست دروسًا تحفظ ولكن تعليمات تنفذ» أى أنها أوامر ميدانية فى اتجاه واحد تتلقاها بلا تلكؤ أوتردد أو نقاش أو تحوير تعليمات واضحة ليس أمامك إلا أن تستجيب وتنفذ).
التنظيم السرى
ثم يخاطب هذا التنظيم السرى داخل التنظيم الإخوانى فيقول:
«أيها الإخوان الصادقون أركان بيعتنا عشر فاحفظوها: الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخـوَّة والثقة»
(لاحظ «أركان» يعنى ركن وبناء كأركان الدين و«بيعتنا» يعنى أن تُحرر ولاءك وانتماءك من أى كيان آخر غير التنظيم الذى تبايعه حتى وإن كان هذا الكيان الآخر هو الدولة والوطن ويكون ولاءك وانتماءك لمن أعطيته البيعة فقط فليس مع البيعة إلا ولاء واحد ويحرم مع البيعة تعدد الولاءات «واحفظوها» يعنى هى أشياء مهمة يجب أن تصان وتحفظ ولا تُنسى كأنها آيات الذكر الحكيم بل أهم فهى أشبه ببيان حرب يلقى من قائد الميدان على الجنود وما عليهم إلا الحفظ والاستجابة والتنفيذ لما حفظ).
ثم يقول عن ركن الفهم:
«إنما أريد بالفهم أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صميمة.. وأن تفهم الإسلام كما نفهمه»
(يعنى أن يتكون لديك يقين واضح وضوح الشمس ليس معه شبهة أو شك أو تردد أو نسيان أن أى شئ نقوله أو نفعله هو الإسلام الصميم وممنوع مناقشته أو رفضه لأنك لو رفضت فكرتنا فإنك بذلك ترفض الإسلام ولاحظ أيضا «أن تفهم الإسلام كما نفهمه» يعنى ما نلقنه لك من مفاهيم ومعارف وتفسيرات وما ننقله لك من نصوص وما تراه من قادتك من سلوكيات وأخلاقيات إنما هو فهمنا للإسلام ويجب عليك التقييد به وممنوع عليك أن تفكر فى أن تفهم الإسلام إلا كما نفهمه وليس بما ينبغى الفهم الصحيح ففهمنا للإسلام هو الفهم الواجب الالتزام به فلا تفهم إلا ما نلقنه لك وإلا خالفت ركنا مهما من أركان بيعتك.. ثم بعد ذلك تجد الإخوانى الفهامة العلامة يتباهى ويقول إن أول ركن عندنا هو الفهم.. أى فهم أيها المُتلقن المُغيب).
ثم يقول عن ركن الإخـــــلاص:
«وأريد بالإخلاص أن يقصد الأخ بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر وبذلك يكون جندى فكرة وعقيدة لا جندى غرض ومنفعة».
(لاحظ التخدير الروحى لقبول البرمجة على الانصياع والإذعان وعدم التفكير فى أى شىء حوله بحجة ابتغاء وجه الله يعنى أن ترضى حيث وضعك التنظيم وفق ما يرى ولا تطلب التقدم ولا التأخر فأنت مخلص وتبتغى المثوبة من الله ولست طالب مغنم أو جاه أو ألقاب فأنت جندى فكرة وعقيدة وليس جندى غرض ومنفعة!
سلوك القطيع
وهذا يفسر لك سلوك القطيع الإخوانى المُخدر بهذه البرمجة الوجدانية منها مثلا قبول أساتذة بالجامعات يرأسهم تنظيما شخص حرفى حداد أو نجار مسلح - مع احترامنا لهذه الحرف ومن يمارسها - بحجة أنك لو فكرت أو تكلمت فقد جرحت إخلاصك وضاع أجرك وخالفت ركنا أساسيا من أركان بيعتك).
عزيزى القارئ هل وضعت يدك على بيت الداء الذى يفسر لك ما تراه من تصرفات وأفعال وسلوكيات التنظيم الإخوانى وعرفت أن التعليمات التى يتلقاها الفرد فى المحاضن التنظيمية التى تمارس البرمجة وغسيل الدماغ وتفرغ رأسه من كل منطق وإدراك وفهم وأدوات تفكير وتعيد صياغة وجدانه وبرمجة عقله بحشوه بتعليمات ومفاهيم ورؤى وتفسيرات ممنهجة للآيات والأحاديث النبوية بما يتماشى مع ركن البيعة الأول الفهم «وأن تفهم الإسلام كما نفهمه» لتنتج ما تراه من كائن إنسانى مشوه يمارس الكذب والانكار وكاره للحياة وأدواتها محب للموت وأساليبه.
عزيزى القارئ هل اتضح أمامك جزء من الصورة الحقيقية لهذا التنظيم الماسونى وعرفت كيف يتم البناء النفسى والفكرى والمعرفى والعقائدى لهذا التنظيم ليبدوا كما تراه اليوم عنصريا إرهابيا رافضا كل فرص التعايش والاندماج فى المجتمعات.
أرأيت كم تساهلنا معه وتركناه يسرق منا أغلى ما نملك وهم شبابنا وأخذهم رهائن فى تنظيمه السرى يغيب عقلهم ويزيف وعيهم ويصنع منهم قنابل آدمية موقوتة وأحزمة بشرية ناسفة.
هل أدركت أن هذا التنظيم فيما يقارب القرن من الزمان كم ضيع على بلادنا من الفرص المتتالية للنهوض والتقدم بسبب ما وضعه من عقبات فى عقول ووجدان ابنائنا أربكت علاقتهم بمجتمعاتهم ونسفت انتماءهم لوطنهم وملئتهم بالاغتراب والضياع ما عطل طاقتهم ودمر نفسياتهم وشوه فطرتهم التى كانت سوية.
فى المقال القادم بإذن الله «ركن العمل» من أركان البيعة الإخوانية
عزيزى القارئ إذا رغبت رجاء الرجوع للمقالات السابقة «التجنيد والاستقطاب فى تنظيم الإخوان» و«مراحل التجنيد الفردى» و«الطريق إلى عضوية التنظيم ودرجات العضوية فى التنظيم» و«الهيكل الإدارى لدولة الإخوان الموازية والأقسام الفنية فى تنظيم الإخوان الإرهابى».