بعد فضيحة 67 المدوية، تمت تصفية مشروع المشير عبد الحكيم عامر بالكامل، وإنهاء كامل تجلياته السياسية، وتفرغ الجيش لمهامه القتالية، وحُوكم سدنة الأجهزة الأمنية في قضية "انحراف المخابرات" عام 1968، وأُودعوا السجون، ولتُثمر تلك القرارات الشجاعة والجريئة في النهاية، انتصار مصر في حرب أكتوبر عام 1973.
لا يعرف الناس عن أكتوبر العظيم، إلا "النهايات"، وربما يكونون غير منتبهين لـ"المقدمات".. فالنصر لم يأتِ "كده ضربة حظ".. أو بالاحتفاظ بالترهل والورم الذي أصاب المؤسسات المسئولة عن حماية الدولة، أو بالتسامح مع المقصرين والمخطئين، وكل من كان سببًا مباشرًا أو غير مباشر في هزيمة يونيو سيئة الذكر والسمعة.
لم يتردد "عبد الناصر" في محاكمة كل حاضنته الأمنية والعسكرية، صفّى الرجل الثاني عبد الحكيم عامر، وحكم على رجل المخابرات المرعب صلاح نصر، 40 عامًا، وظل في السجن إلى أن أطلق "السادات" سراحه، بعد أن أصيب بالعمى، وكذلك طرد وزير حربيته شمس بدران، والذي تصفه موسوعة "ويكيبيديا" بقولها: "كان شمس بدران ذا شخصية مُهابة يتمتع بنفوذ واسع داخل القوات المسلحة والمكاتب الرئاسية في الدولة؛ حتى بدأت تنسج حوله القصص ويتحدث العامة عن دوره؛ باعتباره واحدًا من أكبر مراكز القوى مع منتصف ستينيات القرن الماضي عندما كان العصر الناصري يتجه بسرعة نحو حالة الارتباك التي مهدت لهزيمة يونيو 1967.. ويكفي أن نتذكر أن مكانة شمس بدران لدى المشير عبد الحكيم عامر قد بلغت درجة رشح فيها المشير مدير مكتبه السابق شمس بدران لكي يكون رئيسًا للجمهورية إذا انسحب عبد الناصر وعامر معًا من المسرح السياسي بحكم مسئوليتهما عن النكسة".
وحبس كذلك مدير السجن الحربي اللواء حمزة البسيوني، الذي وصفه الزميل صلاح عيسى بقوله ـ بعدما رأى البسيوني في السجن يستعطف المخبر ـ "بطريقة الفوتو مونتاج في الأفلام السينمائية تتابعت على شاشة رأسي صور خاطفة لمشاهد مما سمعته من المعتقلين عما فعله بهم حمزة البسيوني, سياط تمزق جلودًا، وصفعات تصافح أصداغًا، وقبضات تعوج أفكاكًا, وأجساد تُسحل بحبال خشنة على أرض صخرية, أو تسحب رجال من خصيِّهم.. يا ألطاف الله الخفية, أهذا الرجل ذو الوجه الطفولي البريء الذي أحببته وأعتبره صورة من أبي هو اللواء (حمزة كينج كونج) الذي يزدحم ملفه بكل تلك المشاهد التي لا يتحمل أي إنسان مجرد رؤيتها, فكيف تحمّلها الذي أوقعت به, وكيف استطاع الذي فعلها أن يفعلها, ثم أين ذهبت هذه القسوة؟ والرجل الذي كان إلى شهور قليلة مديرًا للسجون الحربية, ما كاد يتحول إلى سجين, حتى أصبح كالفأر المذعور, لا يستطيع أن يعامل مخبرًا صغيرًا, كان على قمة الهرم الذي يجلس إليه مئات من أمثاله في سطحه إلا بذلك القدر الكبير من التذلل والضعف".
هؤلاء كانوا وحوشًا كاسرة، وتسببوا في هزيمة 5 يونيو.. ولم يتوقع أحد أن يقوى "ناصر" على إنهاء مشروعهم الكارثي.. ولكنه اتخذ القرار؛ لأن استمرار وجودهم كان يعني إنهاء تاريخه وتاريخ بلده بالكامل.
فهلَّا فهمنا درس أكتوبر.. ونحن نواجه أسوأ موجة إرهاب وحشي، يهدد مستقبل وجودنا على الخريطة؟!