صلاح عطية
أيام في تونس مع الحزن والقلق.. يخففهما تأييد العالم لنا
عندما تكون خارج الوطن يزداد قلقك عليه عندما يتعرض لأي مكروه. فأنت بعيد عن مصادر الأخبار بمقدار بعدك عن الوطن.. ووسائل التواصل الاجتماعي قد تعطي شيئا ولكن التناقض فيما تنقله تجعل القلق يزداد.. والرغبة في معرفة ما حدث تجعلك تتصل بكل من تتوسم فيه أن يمنحك قدراً من المعلومات يهديء من هذا القلق.. ولكنه بكل تأكيد لن يزيل هذا القلق.. وهذا ما حدث عندما وجدت الجميع يواسيني.. ويقدم التعازي فيما ألم بالوطن وأبنائه في كارثة الواحات.. ومع المواساة.. كان الكل يسألني مزيداً من الاخبار.. يريدون أيضاً أن يعرفوا ما حدث ؟
كنا في تونس.. حيث التأم شمل المؤتمر السنوي الثامن والخمسين للاتحاد العالمي للصحفيين والكتاب السياحيين "فيجيت FIJET" الذي يضم في عضويته 54 دولة ويرأسه زميلنا العزيز تيجاني حداد. ويشغل كاتب هذه السطور منصب نائب الرئيس فيه.. وهكذا تجتمع في رئاسة هذا الاتحاد العالمي دولتان عربيتان : تونس..وهذه خامس دورة للرئيس الحالي تيجاني حداد. وهذه أيضاً ثالث دورة لي كنائب للرئيس في انتخابات مباشرة بين الدول الأعضاء..
هكذا خيم علي في تونس وعلي الزملاء حزن عميق وأسف لما حدث.. وهو نفس الحزن والأسف الذي خيم علي كل أبناء الشعب المصري.. أما من ليس من أبنائه من أعضاء عصابة الأخوان الإرهابية فأمرهم مختلف.. وهم يحرضون علنا علي شاشة قنواتهم الإرهابية التي تحتضنها تركيا. راعية الإرهاب في المنطقة. يحرضون علنا علي قتل المزيد من ضباطنا.. وأحد كلابهم علي الشاشة يتبجح ويقول أنه يدعو علناً. وعلي الهواء إلي قتل الضباط المصريين.. ومع ذلك تتركه تركيا التي يذاع منها هذا التحريض.. ولا يتحرك المجتمع الدولي ليلاحق هذا المجرم ومن يدفعونه إلي التحريض علي قتل المصريين.. ولكن المصريين جميعا يلفهم الحزن.. ما عدا من خرج علي وطنه وبالتالي لم يعد منه.. وهذا لا يعني إلا أن المصريين علي قلب رجل واحد.. فهم حزاني لأن الوطن مصاب.. وهم حزاني لأنهم أبناء هذا الوطن الذي يدفع الضريبة في كل لحظة. من أجل الخروج بالوطن وأهله إلي المستقبل الرحيب الذي يطمح إليه أبناء هذا الوطن وقائده. وهؤلاء مع الحزن. يلفظون في كل لحظة هذه العصابة الإخوانية الإرهابية وكل من خرج من رحمها وكل من استظل بعباءتها.. وكل من آزرها وساندها ودعا إلي قتل أبناء الوطن.. ورفع السلاح في وجه الوطن وأبنائه.. وهم علي قلب رجل واحد لأنهم يعرفون أن هذه الجماعة الإرهابية الخائنة لم يعد لها مكان علي أرض هذا الوطن.. وهم علي قلب رجل واحد لأن الأيام تؤكد يوما بعد يوم أن هذه الجماعة الإرهابية الخائنة قد خرجت من أي تاريخ لهذا الوطن.. إلا تاريخ الإرهاب والقتل والتدمير.. الذي تمارسه منذ ولدت في مصر.. وفي خارج مصر.. ولم يعد أحد يجهل هذا التاريخ القديم.. كما أن التاريخ الحديث قد عاشه كل أبناء هذا الوطن.. وعانوه.. ومازالوا يعانونه يوما بعد يوم.. فأي مكان لهذه الجماعة الخائنة القاتلة في هذا الوطن.. وعلي أرض هذا الوطن ؟!.. لقد انتهت إلي الأبد.. وعليها أن تعيش مرذولة مذمومة مدحورة بأذن الله.. في مصر.. وفي خارج مصر.. وستنتهي إلي مزبلة التاريخ.. أما الوطن فهو الباقي.. وهم الزائلون.. ويبقي مع الوطن كل من أخلص لوطنه..وضحي من أجله.. وبذل الغالي والرخيص ليعلو الوطن.. فوق الجميع.. يبقي من استشهد وبذل دمه فداء للوطن.. ويبقي من عاش ليكمل الرسالة.. ويستمر رافعاً الراية..
* أبقي في تونس.. مع وفود 54 دولة.. من الصحفيين والكتاب السياحيين.. وتبقي مصر دائماً حاضرة معنا.. مع الجميع هنا.. يؤازرون ويؤيدون.. وتصدر التوصيات والقرارات مساء الاثنين.. قبل أن أعود أمس الثلاثاء.. ويكون علي رأس التوصيات.. توصية بمساندة مصر في معركتها ضد الإرهاب.. التي لم تعد معركة مصر وحدها.. بل معركة العالم كله.. فالإرهاب لا دين له.. ولا وطن.. ومصر تبذل التضحيات.. ليس فقط لتحمي أبناءها.. بل لتصد عن العالم كله جحافل الإرهاب.. التي خرجت من عباءة الأخوان.. وتستظل بهديها.. وتعيش في حماها.. وتستمد منها المساندة والدعم والتخطيط.. وتواصل معها التنفيذ.. ولكن لن ينهزم العالم كله. أمام هذه العصابة وتوابعها.. فكم عصابة سادت فترة ثم بادت.. ولم تعد إلا تاريخا أسود يذكره الناس.. فلا ينسون من دنس أرض الأوطان.. ولا من أزهق الأرواح.. ولا من عاث في الأرض فساداً .
* في تونس مع زيارات للصحفيين والكتاب السياحيين تتخلل أيام المؤتمر.. مصر حاضرة.. ليس بوفدها فحسب من الصحفيين والكتاب السياحيين.. أو بعض السياحيين المشاركين.. وإنما أيضاً بحضارتها وتاريخها.. وبعلاقات الأخوة والتاريخ المشترك مع تونس العزيزة.. لا أريد أن أتحدث عن الكرة وهوسها ومهووسيها.. وإنما اتجه إلي التاريخ الحاضر معنا دائماً.. هنا في متحف باردو.. حيث قام الإرهاب منذ سنوات بمجزرة استهدفت سياح تونس.. عادت الحياة إلي المتحف بأفضل مما كان.. جري تطويره ليجاري أحدث متاحف العالم بأكبر مجموعة في العالم من الفسيفساء.. في القصر الذي يتجاور مع برلمان تونس.. وفي المتحف دلائل علاقات راسخة بين مصر وتونس.. ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ.. من تماثيل فرعونية.. اكتشفت في تونس.. وأخري جمعت بين الطابع الفرعوني.. والطابع الاغريقي والروماني.. وكلها تشير إلي امتداد الحضارة المصرية إلي الشمال الأفريقي.. متجهة حتي المغرب.. بل حتي جزر الكناري في المحيط الأطلسي.. حيث شواهد حضارية تدل علي أن المصريين كانوا هناك.. ولكن من أي طريق ؟.. عن طريق الشمال الأفريقي طبعاً.. ويترك المصريون القدماء بصماتهم علي طرق الدفن لأبناء جزر الكناري.. وأيضاً علي ألعابهم في التحطيب مثلاً.. ثم أيضاً في كتاباتهم القديمة.. التي تشابه الكتابة الهيروغليفية.. التي استخدمها المصريون القدماء في كتاباتهم علي جدران المعابد والمسلات والمقابر.. بل إن المغرب وربما الكناري.. كانا طريق المصريين إلي أمريكا ليكونوا أسبق اكتشافاً لأمريكا.. لينقلوا إليها الأهرامات.. كما نري في المكسيك.. وايضا الهيروغليفية حروفاً للكتابة بالصورة كما كانت في مصر.. وهو ما حاول أن يثبته ثور هاير دال.. في قاربيه رع "1" ورع "2" اللذين خرج بهما مصنوعتين من سيقان البردي. من ميناء صافي المغربي ليتجه إلي الساحل الأمريكي.. أيضاً شواهد عديدة هنا علي تاريخ مشترك.. كنا نزور قرطاج.. التي يعرفها المصريون وغيرهم عاصمة للمهرجانات الفنية.. ولكنها مدينة حكمت العالم القديم في شمال وغرب البحر المتوسط. منذ القرن الثامن قبل الميلاد.. ودخل هانيبال.. وأبناؤه من بعده في صراع مع دول هذا البحر.. وكادوا يتغلبون علي روما.. إلي أن سادت روما في القرن السادس قبل الميلاد..
* يحدثني تيجاني حداد رئيس الاتحاد العالمي للصحفيين والكتاب السياحيين ونحن ننتقل بين أعمدة قرطاج الأثرية.. مصر أم الدنيا.. وهنا أيضاً كان من ساد البحر المتوسط.. أقول أن الفينيقيين في الساحل الشرقي للبحر المتوسط مع القرطاجيين كونوا تاريخاً مشتركاً.. ولكن مصر اتجهت إلي الجنوب في العمق الأفريقي.. عبر البحر الأحمر وبلاد بونت "الصومال" وإلي الشمال الأسيوي بلاد الشام. وبلاد الرافدين. وآسيا الصغري.. حيث أدرك المصريون مبكراً أن أمنهم هناك في الشمال.. مع جبال ومرتفعات الأناضول.. ويشير تيجاني إلي تاريخ آخر مشترك بين مصر وتونس.. ونحن نزور مدينة المهدية.. فمنها اتجه الفاطميون إلي مصر.. حيث بنوا القاهرة.. حتي أنهم يقولون في تونس.. أن المهدية أم القاهرة..!! تاريخ مشترك بحق..
* نلتقي أيضاً بوزيرة السياحة التونسية الرائعة الدكتورة سلمي اللومي وزير السياحة التي افتتحت مؤتمرنا.. وحديث عن السياحة التونسية.. ووعد باستكماله في القاهرة عندما تأتي في ديسمبر القادم لتشارك في مؤتمر وزراء السياحة العرب.. ولا ينتهي الحديث عن تونس.. قبل أن أشير إلي الصديق والأخ العزيز نجيب المنيف سفير تونس في القاهرة وتفضله بإعفاء الصحفيين المصريين من رسوم التأشيرات. كما كان يفعل معنا سابقوه. ولكن هذه الرسوم أصبحت رسوماً مانعة.. ولابد من أن نفعل شيئاً لتخفيضها بعد أن ارتفعت إلي ألف ومائتين وثمانين جنيهاً.. وهو مبلغ كبير جداً لمن يريد السفر إلي تونس.. وقد ناشدت المسئولين التونسيين في زيارتي أن يعيدوا النظر فيه.. تشجيعاً للسياحة بين البلدين.. وأرجو أن يساندنا فيه السفير نجيب المنيف..