عباس الطرابيلى
نهر الكونغو.. يجسد فشلنا فى سد النهضة!
هل نعتبر الحديث الدائر الآن عن مشروع نهر الكونغو دلالة على فشل الإدارة المصرية لملف سد النهضة؟.. وأن أى حديث عن بدائل لمياه النيل هو استعداد للمستقبل شديد القسوة بسبب مشروعات سدود إثيوبيا؟ وسد النهضة واحد فقط من قائمة سدود تخطط إثيوبيا لإقامتها، ليس فقط على النيل الأزرق.. ولكن على نيل عطبرة.. وربما أيضاً نهر الجاش، الذى ينبع - أيضاً - من الهضبة الإثيوبية، ويندفع إلى أراضى السودان حتى يجف ويختفى، نعم يختفى، قبل أن يصل إلى نهر عطبرة.. وغيره من أنهار.
أكاد أجزم بأن «حديث البدائل» يشير إلى فشل إدارتنا لملف مياه النيل، وما سد النهضة إلا مجرد بداية.. وكم أتمنى أن يكون الحديث عن تحويل مجرى نهر الكونغو حتى نستفيد من بعض مياهه، استعداداً للمستقبل.. ولكن أين الواقعية فى هذا المشروع الحالم؟!.
إن «كل» من يتحدث عن تحويل مسار، أى مجرى نهر الكونغو، ليصب فى أحد فروع النيل الأبيض، لا يفهم: لا فى الجغرافيا، ولا التضاريس، ولا السياسة.. حتى وإن تجنبوا أى حديث عن التكاليف المالية، وهى باهظة.. ودعونا نشرح لكم.. لنعرف البير وغطاه.. ولا نجرى وراء أى سراب.
إن نهر الكونغو ينبع من قلب القارة الأفريقية، أى شرق الكونغو، ثم ينطلق غرباً ليصب فى المحيط الأطلنطى.. وهو وإن كان ينبع من نفس ومن قرب الهضبة الاستوائية، التى تنبع منها كل فروع النيل الأبيض، إلا أنه وبسبب التضاريس والمرتفعات والجبال، يسلك طريقه نحو الغرب، وهو من أغزر أنهار العالم فى المياه، وربما لا يقل - إن لم يكن أكثر - مما يسقط من أمطار على هضبة إثيوبيا.. وتتعدى كميات المياه التى تسقط وتندفع غرباً لتصب فى المحيط كل تصور.. من حيث الكميات والنوعية، وما تحمله من طمى وطحالب وثروات معدنية.
ولكننى أتحدث عن صعوبة تحويل مجرى نهر الكونغو. وبداية أقول لكم إن العالم عرف تجربة واحدة، تلك التى نجح فيها الاتحاد السوفيتى السابق فى تحويل مجرى نهر.. وتحمل المستحيل، وأول المستحيلات أن هناك قواعد دولية تتحكم فى ذلك، ترفض نقل مياه من حوض نهر إلى حوض نهر آخر، وحتى إن تجاوزنا ذلك.. نجد فروق الارتفاع، إذ تحتاج الفكرة إلى تركيب روافع ترفع مياه نهر الكونغو إلى أقرب فروع النيل الأبيض، وهذه تحتاج إلى طاقة كهربية هائلة، ربما تستهلك نصف الكهرباء التى سوف تنتج من النهر كله.. ونحن نحتاج المياه.. ولا نحتاج الكهرباء.
وهنا نتوقف: حتى لو نجحنا فى كل ذلك.. فإن هذه المياه، التى سوف تتجه عكس مسار نهر الكونغو، سوف تتحرك وتتنقل بين أكثر من دولة أفريقية قرب المنابع.. وهذه تحتاج إلى جهد رهيب، لكى تسمح بمرور هذه المياه، بحجة أنها سوف تزيد من مناسيب الأنهار المحلية فتغرق القرى وتغمر مناطق الرعى، وكل سكان هذه المناطق رعاة.. ثم إن هذه الدول «المعابر» تعانى من مناطق حشائش وسدود من الحشائش تغرق الأراضى، وبالتالى سوف ترفض عبور أى مياه زائدة.. من نهر الكونغو.. لأنها سوف «تسيح» وتملأ الأرض بالمياه.
■ ■ وإذا كنا عجزنا عن استغلال مشروع قناة جونجلى، التى تزيد حصتنا من مياه النيل، لأن «دولة جنوب السودان» ترفض استكمال المشروع بعد أن نفذنا منه 85٪ بالفعل، بحجة إغراق أراضى الرعى، رغم أننا عدلنا مسار القناة على حسابنا حتى لا نفصل بين قرى السكان وأماكن الرعى، فلاحظوا أن جون قرنق، زعيم حركة تحرير السودان، الذى قتله رفاق السلاح، حصل على درجة الدكتوراه من أمريكا عن مشروع قناة جونجلى.. وقال لى بنفسه: «عاوزين مهمات المشروع تعالوا خدوها، أما المشروع فلن ينفذ».. وقد كان، مع العلم أن سيلفا كير أكثر تشدداً.
■ ■ فإذا كنا عجزنا عن تنفيذ المشروع وهو يمر فى دولة واحدة.. كيف ننفذ مشروع نهر الكونغو وهو يمر فى عدة دول.. مهما قدمنا من مساعدات لهذه الدول؟
■ ■ نعم إن المشروعات العظيمة تنبع - أحياناً - من أفكار خيالية.. ولكن تجاربنا مع دول أفريقيا ليست دائماً إيجابية، وبالمناسبة عمر فكرة قناة جونجلى يبدأ من عام 1938.. وهى الآن متوقفة تماماً والمعدات دمرها الصدأ!!.
ولن نتحدث عن «أبو لمعة» الذى يقف وراء هذه الفكرة.. وهى إن نجحت ربما يحدث ذلك بعد 100 عام، تكون مصر قد ماتت من العطش والجوع، وسنواصل.