الجمهورية
سعد سليم
مصر وفرنسا.. عهد جديد في علاقات البلدين
عهد جديد في العلاقات المصرية ــ الفرنسية بدأ مع زيارة الرئيس السيسي لفرنسا ولقائه بالرئيس إيمانويل ماكرون بقصر الإليزيه.. والذي عكس تطابقاً كبيراً في وجهات النظر واتفاق وتفاهم تام في العديد من القضايا والمشكلات التي تهم المجتمع الدولي بصفة عامة ومصر وفرنسا بصفة خاصة.
ظهر هذا بوضوح في الاهتمام الكبير والواضح علي كل المستويات منذ أن وصل الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي باريس.. فكان الاستقبال الرسمي في وزارة الجيوش الفرنسية والتي يعكس مدي تقدير القيادة الفرنسية ووزارة الجيوش لمصر قيادة وشعباً ويؤكد علي عمق العلاقات التي تربط بين البلدين وقواتهما المسلحة والتي حرصت مصر وفرنسا أن يكون التعاون في مجال التسليح وتطوير القوات المسلحة وتزويدها بأحدث الأسلحة علي أعلي مستوي من الكفاءة والقدرة القتالية والتكنولوجيا العالية.
فالعلاقات المصرية ــ الفرنسية علاقات تاريخية عميقة وصداقة تضرب في التاريخ تقوم علي الاحترام المتبادل وتوافق وجهات النظر تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية وأيضاً الثقة في قدرة الجانبين علي التأثير في محيطه الإقليمي والعالمي.. ففرنسا تدرك جيداً الدور الذي تقوم به مصر في منطقة الشرق الأوسط باعتبارها الأساس والضمانة للاستقرار الإقليمي.. ومصر تدرك أيضاً دور فرنسا في قيادة الاتحاد الأوروبي.
فعلي مدار السنوات الثلاث الماضية اعتبرت فرنسا مصر حليفاً وشريكاً مهماً لها في العديد من القضايا تأتي في مقدمتها الحرب الدولية علي الإرهاب.. من هنا كانت جسور التواصل ممتدة والاتصالات مستمرة والتنسيق علي أعلي مستوي مع الرؤساء الفرنسيين السابقين وزار الرئيس السيسي فرنسا مرتين في عهد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند.. في الوقت الذي زار فيه الرئيس الفرنسي مصر مرة واحدة عندما حرص علي أن يحضر حفل افتتاح قناة السويس الجديدة.. كما تعددت اللقاءات بين الرئيسين علي هامش الأحداث التي تشهدها المحافل الدولية.. وكلها شهدت اتفاقاً واضحاً في سياسة البلدين في شتي المجالات.
وبعد انتقال السلطة إلي الرئيس الحالي ماكرون كان الرئيس السيسي من أول المهنئين له.. واستمرت اتصالاتهما حرصاً منهما علي مواصلة الارتقاء بالعلاقات المتميزة بين بلديهما في شتي المجالات.. واستمرار التشاور والتنسيق المشترك وتبادل الرؤي حول الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية وعلي رأسها الأوضاع في ليبيا وسوريا والعراق ومستقبل القضية الفلسطينية خاصة بعد أن نجحت الجهود المصرية في توقيع المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وأصبح الطريق ممهداً نحو استئناف مباحثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإيجاد الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية.. إضافة إلي الملف الأبرز والأكثر أهمية وهو مواجهة الإرهاب وجماعات الفكر الضال التي تحمل شعارات التطرف والضبابية والجهل.
ومصر وفرنسا متفقتان تماماً علي أن الإرهاب يمثل تهديداً حقيقياً لكل دول العالم وليس دولة بعينها فلم تعد التحديات الأمنية تقتصر علي التهديدات العسكرية بشكلها التقليدي.. بل أضيف لها تهديدات الجماعات الإرهابية وكذلك الجريمة المنظمة التي يخطط لها ويديرها ويمولها ويرعاها أجهزة دولية عتيدة.. وقد استوجب ذلك تغيير المفهوم التقليدي للأمن المبني علي قدرة الدولة علي حماية أراضيها وحدودها في مواجهة أي غزو خارجي إلي مفهوم التعاون المشترك والمستدام بين الدول لمجابهة التهديدات من منبعها.
من هنا كان التعاون والاتفاق بين مصر وفرنسا علي تزويد قواتنا المسلحة بأحدث الأسلحة والمعدات البحرية والجوية وذلك من أجل تطوير وتحديث قدراتها القتالية التي تمكنها من تأمين المصالح الحيوية الدولية.. ولم يقتصر الأمر علي التطوير فحسب.. بل امتد ليشمل نقل تكنولوجيا التصنيع والبناء لمصر اعتماداً علي العقول والسواعد المصرية التي أثبتت قدرة قتالية وفنية عالية جعلت الكثير من الدول تتسارع بطلبها للتعاون مع مصر في مجال التدريب المشترك وإجراء المناورات الحربية والالتحاق بدوراتها وتبادل الخبرات مع تشكيلاتها القتالية ومنشآتها التعليمية.
مباحثات الرئيسين أول أمس بقصر الإليزيه ركزت علي جوانب مهمة ومتعددة أخري منها الجانب الاقتصادي وخاصة بعد قرارات الإصلاح الاقتصادي وما حققه من نتائج إيجابية في استعادة معدلات النمو المرتفعة والزيادة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة.. فضلاً عن إجراءات تدعيم شبكة الرعاية الاجتماعية للطبقات الأكثر احتياجاً وتوفير العديد من فرص الاستثمار في المشروعات القومية الكبري التي تنفذها مصر وتحظي باهتمام دوائر الأعمال الفرنسية.
أيضاً كان الملف الثقافي والتعاون في المجالات السياحية والتعليمية حاضراً.. حيث تم الاتفاق علي إعلان عام 2019 عاماً للثقافة والسياحة المصرية ـ الفرنسية.. ليعكس عمق الروابط الثقافية والحضارية المشتركة خاصة في ضوء اهتمام فرنسا بحضارات مصر في مختلف مراحلها التاريخية خاصة الحضارة الفرعونية.
أيضاً كان هناك اتفاق واضح من الرئيسين المصري والفرنسي علي أهمية تنمية محور قناة السويس منذ ازدواج الممر الملاحي لها والذي يحظي بأهمية كبري في خطط الحكومة المصرية ليكون أكبر منطقة للخدمات اللوجستية المتكاملة في الشرق الأوسط وهو ما أكد عليه الرئيس الفرنسي باتفاقه مع الرئيس السيسي علي الاحتفال بمناسبة مرور 150 عاماً علي افتتاح قناة السويس في عام 2019 والمشاركة ببرامج وأنشطة في هذا الصدد.. مؤكداً علي أن هذه المنطقة تعتبر أرضاً خصبة لتحقيق التنمية الاقتصادية وأضاف أنها تمثل رمزاً يذكرنا بالعلاقات الوطيدة بين مصر وفرنسا.. لذا ستكون هناك مشاركة فرنسية واضحة في مشروعات الاستثمار بهذه المنطقة الحيوية.
التعاون الجامعي سيحظي بأهمية كبيرة في الأيام القادمة وسيكون هناك تبادل طلابي بين جامعات مصر وفرنسا خاصة أن مصر أخذت خطوات كبيرة لإقامة دار مصر لخدمة الطلبة والمبعوثين المصريين للجامعات الفرنسية.. للمساعدة في توفير سكن مناسب لهم.
ما يؤكد توافق وجهات النظر بين البلدين ما قاله الرئيس ماكرون في رده علي سؤال لأحد الصحفيين الفرنسيين عن حقوق الإنسان في مصر عندما قال: أنا مدرك تماماً للدور الذي يقوم به الرئيس السيسي وأنه يرغب في تحقيق الاستقرار في مصر ومواجهة الأعمال الإرهابية العنيفة التي ظهرت في مصر وانه وحكومته يسيرون في الطريق الصحيح.. وعلينا جميعاً أن نحترم سيادة الدولة ولأنني لا أقبل أن يعطي لي أحد درساً في كيفية قيادة بلادي وما يجب أن أفعله.. لذلك نحن ندرك الوضع الراهن في العراق وليبيا.. فهناك نظام سياسي يجب اتباعه.. وهذا الرد أخرس ألسنة المتشدقين بمعلومات مغلوطة من تقارير مفضوحة لمؤسسات مشبوهة.
نفس المعني أكده الرئيس السيسي في رده عن ذاك السؤال وقال إنه حريص علي إقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة في مصر بإرادة سياسية.. وان الشعب المصري لن يقبل أبداً أن يكون هناك أي شكل من أشكال العنف أو الديكتاتورية أو عدم احترام حقوق الإنسان.. مؤكداً أن الجميع في مصر يتمتع بحرية والجميع يحترم حقوقه.. ونوه الرئيس ان ليس كل المعلومات التي تصلكم صحيحة فتوثقوا منها تعالوا إلي مصر.. تعاملوا مع الشعب تحدثوا مع المواطن البسيط واحكموا بأنفسكم من علي أرض الواقع.
قمة الرئيسين المصري والفرنسي كانت هائلة بكل المقاييس عكست اتفاقاً كبيراً في توجهات الدولتين في مختلف القضايا والأزمات التي تتعرض لها منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع.. وأكدت حرص الرئيسين علي دعم وتنمية وتطوير هذه العلاقات مستقبلاً بما يحقق المصالح المشتركة لشعبي البلدين وبما يعود بالأمن والاستقرار والتنمية المستدامة عليهما.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف