على هاشم
إنها الحرب الطويلة مع الإرهاب..ودروس من الواحات!
* رغم توجع قلب مصر لحادث الواحات الإرهابي وضحاياه من شهدائنا الأبرار الشجعان .. فإنه لا يخالجني أدني شك أن بلدنا ستنتصر في حربها ضد الإرهاب والتآمر.. فما حدث ليس حادثًا عابرًا بل إرهاباً متآمراً توفرت له معلومات استخباراتية ودعم لوجيستي وتخطيط يفوق قدرة أي مجموعة إرهابية. ناهيك عن حداثة التسليح وتطوره بما يمثل نقلة نوعية للإرهاب المدعوم من دول معروفة بالاسم لكن المجتمع الدولي بعضه أو أغلبه للأسف يغض الطرف عن جرائمها في تمويل الإرهاب وتسليحه وإمداده بالمعلومات والدعم المتواصل بهدف زحزحة مصر عن أداء دورها الذي استردته بعد مخاض عصيب عاشته منذ أحداث 25 يناير 2011.
حقائق التاريخ تقول إن الإرهاب بشتي صوره ومهما تكن جسامته لا ينتصر علي الدولة ولا علي الشعب. لاسيما إذا كان شعباً كشعب مصر الذي يمتاز عن شعوب الأرض قاطبة بقدرته الفذة علي امتصاص الغزاة ولفظ الخونة وتجاوز المحن والاحتفاظ بروحه المعنوية العالية حتي في أحلك اللحظات بما عرف عنه من حكمة وقوة روحية ونفسية تجعله يطلق النكات في أشد لحظات الألم والحزن. حيث لا يتوقف معينه الحضاري عن التدفق والصمود والمقاومة لكل أشكال الظلم والامتهان والاعتداء.
حادث الواحات الغادر رغم أنني أتمني ألا يتكرر لكنه في رأيي لن يكون الأخير في سجل الإرهاب. فأعداء مصر لا يرضيهم أن يدوم استقرارها. ولا أن يفرح شعبها بما تم إنجازه في ملف الإصلاح الاقتصادي الذي أشادت به منظمات دولية. ولا بما جري إحرازه من نجاح في المشروعات القومية التي صارت واقعًا لا ريب فيه. ولا بما يرجوه من انفراجة اقتصادية وشيكة بعد تدفق إنتاج الغاز بوفرة من حقل "ظهر" في البحر المتوسط خلال أشهر قليلة .
صمود الشعب في وجه المعاناة اليومية جراء الغلاء والزحام ومصروفات المدارس والدروس الخصوصية وغيرها لا يرضي أعداء مصر في الداخل والخارج. فقرروا أن يزيدوا أحزانه علي شهدائه من خيرة شبابنا في الشرطة والجيش الذين يجودون بأرواحهم حبًا في تراب هذا الوطن وفي نيل الشهادة دفاعًا عنه .. ماتوا لكي نحيا نحن .. ضحوا بحياتهم لكي يعيش غيرهم .
ورغم أن مصر ذاقت مرارة الإرهاب منذ عقود. لكن إرهاب اليوم أشد شراسة وأكثر ارتباطًا بالخارج.إذ تجردت عناصره من مشاعر الوطنية والإنسانية. ومن ثم فلن تكون المعركة هذه المرة سهلة. فحرب الأفكار يطول مداها وتتعقد مسالكها. فالإرهاب فوق أنه عدو خفي لا تعرف متي ولا من أين سيخرج عليك .. ولا يمكن لأي دولة مهما تكن يقظة أجهزتها الأمنية وقوتها أن تتنبأ بهجماته .. فإنه يتستر بالأفكار المغلوطة المخادعة التي تدغدغ مشاعر الشباب المحبط فينجذب إليه انجذاب الفراشات إلي ضوء اللهب دون أن تدري أنها ستحترق بناره .. وإلا ما وجدنا شبابنا ينجرف إليه فيفجرون أنفسهم طمعًا في جنة وعدهم إياها شيوخ الفتنة والضلال .. ناهيك عما تغدقه عليهم دول العدوان من أموال وعتاد ودعم لا محدود ومعلومات لتنفيذ مخطط قذر تعجز هي عن تنفيذه بصورة مباشرة .. فهل قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق جهاد يرضاه الله أو تقره شريعة الإسلام.. وهل إزهاق أرواح الأبرياء. تارة بالتفجير وأخري بالرصاص. جهاد يرضاه الله .
ما ينبغي ألا نغفله أن حرب الإرهاب أساسها معركة مع الفكر. يلزمها الحجة والبرهان وتفنيد الأباطيل والاشتباك مع الفكر المتطرف ودحض أسانيده المتهافتة ببيان ناصع يغزو العقول ويهدي القلوب إلي الرشد والحق .. جنبًا إلي جنب المواجهة الأمنية الصلبة التي ينبغي أن تبقي يقظة طيلة الوقت وأن تحفز جاهزيتها باستمرار وتزيد قدرتها علي الاستطلاع وجمع المعلومات وأخذ زمام المبادرة بما يجنبنا الوقوع في فخ المفاجأة أو خسارة مزيد من الضحايا .
المعركة مع الإرهاب لا يمكن التنبؤ بنهايتها. فالفكر المتطرف تجذر في بيئة لم تقاومه فكريًا بطريقة صحيحة علي مدي عقود حتي استشري بصورة تستلزم استحداث طرق علمية لاجتثاث جذوره. وابتكار إستراتيجية تتماشي مع سرعة انتشاره عالميًا عبر وسائل الميديا الحديثة وتقنياتها التي وفرت منصة سريعة للانطلاق. بعيدًا عن الرقابة الدقيقة والمتابعة المباشرة في ساحة الفضاء الإلكتروني الذي صار وسيلة لتجنيد الأتباع من مختلف الدول. لا فرق في ذلك بين دولة غنية وأخري فقيرة. ولا دولة ديمقراطية وأخري ضاربة في الاستبداد .
ورغم أن العالم ذاق مرارة الإرهاب حتي طالت تفجيراته وجرائمه دولاً عديدة في الشرق والغرب» فإنه للأسف يلوذ بالصمت ويغض الطرف عن دول يعرف يقينًا أنها ضالعة في صناعة الإرهاب وتمويله وتوجيهه أينما تشاء دون وازع من ضمير أو أخلاق .. وهو أمر محير أن تأتي المصالح السياسية علي حساب أمن المجتمعات
والحفاظ علي حياة أبنائها» ومن ثم فإن معركة الإرهاب لا تكفي أن تتصدي لها جهة واحدة مهما تبلغ قوتها » ولم يكن المصريون في حالة للتوحد علي قلب رجل واحد تحت راية دولتهم مثلما هم اليوم» فتغيير الأفكار الدينية المغلوطة التي تستهوي بعض شبابنا المغرر بهم في ظل ما يعانونه من إحباط وفراغ تسبب فيهما عقود من الإهمال وسوء الإدارة .. تغيير مثل هذه الأفكار لن يتحقق بين عشية وضحاها بل يلزمه مساران من الإصلاح. أحدهما عاجل يتولاه علماء دين مستنيرون. والآخر طويل المدي يبدأ بصناعة العقول وصياغة الفكر لأولادنا منذ نعومة أظافرهم وانخراطهم في مؤسسات التعليم بدءًا برياض الأطفال وحتي الجامعة .. ويمكننا أن نمضي في هذا الطريق مطمئنين متحفزين بقوة مصدرها رئيس مصر الذي لا يترك مناسبة دون أن يذكرنا بما علينا من واجبات وأدوار في معركة استنزاف مصر ومحاولة تخريبها وتركيعها لمحور الشر حتي يتسني له تنفيذ مخططه الخبيث الرامي إلي تقسيم الدول العربية وتفتيتها وزرع الفتنة بين أبنائها .. وهو حلف لا يزال يعمل بكفاءة وتناغم يجمعهم هدف واحد ألا تقوم لمصر قائمة. وألا تعود للمصريين وحدتهم .. ولكلي مآربه ومطامعه .. ولن يحدث ذلك أبدًا ما دامت جبهتنا الداخلية موحدة يقظة في وجه أعداء الداخل والخارج .
ما حدث في الواحات لا يمكن قراءته أبدًا بمعزل عما حققته مصر من نجاحات ملموسة في ملفات إقليمية عديدة. فلم يسترح البعض لما أنجزته القاهرة في لم شمل فتح وحماس وسائر الفصائل الفلسطينية وتحقيق المصالحة بينهم. ولا في استعادة الهدوء والدفع باتجاه الحلول السياسية في سوريا وليبيا والعراق .. وليس مصادفة أن تستضيف دول عربية وإسلامية وغربية قيادات إخوانية إرهابية علي أراضيها وتفتح لهم منابرها الإعلامية لتشويه صورة مصر والإساءة لحكومتها في عداء سافر للإرادة الشعبية التي خرجت في 30 يونيو والتي أوقفت مخططات تقسيم وتخريب المنطقة .. وهو ما ظهر جلياً في الحادث الأخير بالواحات. حيث دخل الإرهابيون بأسلحة ثقيلة لا يتوفر مثلها لأفراد. أسلحة تدفقت لمصر منذ أيام حكم الإخوان وبتدبير منهم .. وليس مصادفة أن يخرج علينا بين الحين والآخر بعض أبناء مصر الكارهين لها المقيمين في قطر وتركيا ولندن ليطالبوا بدمج الإخوان في الحياة السياسية من جديد. ناسين أن الشعوب قالت كلمتها ولفظتهم تمامًا ولا تقبل بعودتهم أبدًا .. وليس غريبًا أيضًا عودة القرضاوي الإرهابي لفتاواه التحريضية ضد شرطة مصر وجيشها تزامنًا مع العلميات الإرهابية الأخيرة .. ثم إصرار قطر علي استضافة قيادات الإخوان والتحريض المستمر لقناة الجزيرة ضد مصر. وتمويلها الدوحة لمنظمات إرهابية متفرعة من شجرة الإخوان .
إن أخطر ما تواجهه مصر اليوم هو محاولة النيل من روحها المعنوية تارة ببث تسريبات مفبركة. وتارة أخري بإطلاق شائعات كاذبة تتناول الشئون الاقتصادية أو العسكرية في مسعي خبيث لدق الأسافين بين الشعب وقيادته. وتزداد ضراوة تلك الشائعات في أعقاب الحوادث الإرهابية التي يتصدي لها أبناء مصر من الجيش والشرطة بكل بسالة ورغبة صادقة في التضحية والفداء .
آن الأوان أن ينهض كل منا بمسئوليته إزاء وطنه. ولا يقلل من هذا الدور. حتي ولو تصدي كل منا للشائعات والافتراءات علي حسابه علي فيس بوك أو تويتر لتفويت الفرصة علي الراغبين في إشاعة الإحباط والبلبلة وإضعاف الروح المعنوية للمصريين .. أما الدور المؤسسي بدءًا بالأسرة. مرورًا بالمؤسسات الدينية والثقافية والتعليمية والشبابية. ورجال الإعلام والأحزاب والمعارضة والمجتمع المدني .. كل ذلك ينبغي إعادة النظر فيه .. ولتسأل كل جهة نفسها : هل فعلت ما عليها في معركة الإرهاب .. وماذا عليها أن تفعل .. وكيف ومتي ..؟!
وانطلاقًا من التوجيه النبوي الشريف : كلكم راعي وكلكم مسئول عن رعيته .. ليسأل القائمون علي تلك المؤسسات أنفسهم سؤال جوهريًا : فهل أدينا واجبنا علي النحو الأمثل .. وإذا كانت الإجابة بالنفي وهي قطعًا كذلك فما ننتظر ..؟!
ألا يعلم هؤلاء أن الإخوان يجيدون توظيف المفاهيم المغلوطة لتضليل شبابنا .. ومن ثم فالواجب يقتضي أن ينهض كل منا بدوره في تفنيد تلك المفاهيم والتصدي للتطرف والعنف والإرهاب .. كما يفعل الرئيس السيسي الذي لا يترك مناسبة إلا ويلقي الضوء علي دور كل فرد في المجتمع تجاه وطنه في معركة الإرهاب .. ثم يبث رسائل من وقت لآخر تنبه إلي خطورة ما يدبر لنا من كيد وشر .. فهل تملك تلك المؤسسات الرؤية والمقومات اللازمة لأداء مهمتها المنشودة ؟!
وفي ظل وجود قصور واضح في أداء المؤسسات المختلفة المنوط بها إدارة معركة الفكر والثقافة. فإن الأنظار تتجه بقوة ناحية المجلس الأعلي لمحاربة الإرهاب للاضطلاع بخطوات وإجراءات سريعة لعلاج هذا القصور وظني أنه يملك من الصلاحيات ما يمكنه من ذلك فليس تجديد الخطاب الديني والاجتهاد الفقهي الذي لم يحدث من مهمات الرئيس. ولا تغيير المفاهيم المغلوطة الجامدة كذلك .. بل هي مهمة مجتمعية ينبغي أن تكون المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية رأس الحربة فيها ونقطة الانطلاق. إذا ندب إليها علماء وخبراء ومتخصصون ذوو رؤية وأمانة وإرادة وإخلاص يساندهم باحثون ومفكرون وإعلاميون واجتماعيون ونفسيون وفنانون .. تتلاقي جهودهم في بوتقة واحدة لتخرج سبيكة متجانسة تحدث التغيير المنشود في المجتمع كله .. حتي لا تظل النخبة وبالاً علي الشعب الذي دائمًا ما يسبقها بوعيه الفطري وحسه الوطني مثلما حدث في 30 يونيو حين قررت الجماهير إزاحة مرسي وجماعته عن الحكم وقد أيدها الجيش حفاظًا علي الدولة» باعتبار أن الشعب هو المعلم وهو القائد بينما بعض نخبته تراوح مكانها وتلعب علي جميع الأحبال ولا تتحرك إلا بعد حساب المكسب والخسارة .
تلك الجماهير لا تزال تؤمن بحسها التاريخي وحكمتها الحضارية أن بلدها يخوض اليوم حربًا ضارية مصيرية ضد الإرهاب. وأنها في مرحلة عصيبة تطلبت أن يقودها رجل بحجم السيسي الذي لم يكسب ثقة الناس ورفاقه في الجيش والشرطة من فراغ بل ببصيرة وبرهان ووعي فطري بعدما أفلست النخبة ومزقتها الانقسامات والاستقطابات. هذا وقت الاصطفاف الوطني .. هذا وقت التصدي لمزاعم الإخوان وافتراءاتهم لتشويه مصر .. هذا وقت تفنيد الشائعات وتمتين الجبهة الداخلية في وجه محاولات الوقيعة وشق الصف .. أما داعمو الإرهاب فليعلموا أن مصر لن تترك ثأرها أبدًا .. وأنها ستهزم الإرهاب لا محالة..ويبقي فقط أن نستفيد من حادث الواحات ونتعلم من فخ التسريبات المفبركة .