عبد الغفار شكر
تحديات أثرت سلبيا على مجلس حقوق الإ نسان
نواصل فى هذا المقال عرض ما ورد فى تقرير المجلس القومى لحقوق الانسان (اربع سنوات من العمل معا... كشف حساب) الذى أصدره التشكيل الحالى للمجلس عن نشاطه فى الفترة من سبتمبر 2013 الى سبتمبر 2017 والذى مارس نشاطه فى اطار حالة استثنائية نتيجة انهاء حكم الاخوان المسلمين فى 30 يونيو 2013، تلك المرحلة التى تميزت بتصاعد العنف والارهاب وما صحبهما من مواجهات بين السلطة وتحالف دعم الشرعية الذى جمع الاخوان المسلمين وحلفاءهم الرافضين لثورة 30 يونيو وقد تميزت هذه المواجهة بتصاعد المظاهرات الاحتجاجية والاحتشادات والجماعات المسلحة فضلا عن تصاعد العمليات الارهابية فى سيناء. وكان الاهتمام الاول للمجلس فى هذه الفترة التحقق من مراعاة الحقوق القانونية للمحتجزين المشتبه بهم والمتهمين فى القضايا ذات الصلة والتى تحولت الى مشكلة كبيرة مع زيادة أعداد هؤلاء المتهمين فى مراكز الاحتجاز والتجديد المتكرر لمدة الحبس الاحتياطي. استخدم المجلس فى هذه المتابعة الآليات التى وفرها له قانونه مثل بعثات تقصى الحقائق، وتنظيم جلسات استماع، وتوصيل شكاوى المواطنين الى المسئولين المعنيين، وعقد حلقات نقاش وورشات عمل لمناقشة الاشكالات مع أجهزة الدولة المعنية والمسئولين من ذوى الاختصاص. كما استخدم المجلس فى ذلك أيضا الآلية الاضافية التى أتاحها له الدستور بامكانية تقديم مساعدة قانونية للمضرورين بالانضمام الى الدعاوى القانونية الخاصة بهم.
وخاض المجلس جدلا مهما حول ظاهرتين برزتا فى سياق الحق فى التقاضى أولاهما محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، فبعد أن كانت السلطات تقصر تطبيق ذلك على الاعتداءات التى تقع فى سيناء او على منشآت عسكرية حتى اكتوبر 2014، فقد تحولت بعد وقوع العديد من الجرائم الارهابية الكبرى التى راح ضحيتها العشرات من جنود الجيش والشرطة الى توسيع نطاق احالة المدنيين الى القضاء العسكرى وصدرت تعديلات قانونية لتحقيق ذلك، وقد طالب المجلس بضرورة الحد من هذا التوسع. وثانيتهما اصدار المحاكم العديد من قرارات الاعدام ففى قضية احداث مركز مطاى جرى الحكم باعدام 528 متهما ولكن هذا العدد تقلص الى 37 فقط بعض استنفاذ درجات التقاضى اما أحداث مركز العدوى فقد تم الحكم باعدام 683 متهما وتقلص العدد الى 180 منهم. وقد أبدى المجلس قلقه من هذا التوسع فى أحكام الاعدام.
اما التحدى الثانى الذى واجهه المجلس فى هذه الفترة فهو التحدى الذاتى المتمثل بحرق مقره يوم 28 يناير 2011 والذى كان يوجد فى نفس المبنى الذى يضم المجالس القومية المتخصصة والحزب الوطنى وفقد المجلس بذلك مقره، ومعه ذاكرته المؤسسية الارشيفية بشقيها الورقى والالكتروني، والتى تمثل أى رصيد لعمل أى مؤسسة وطنية، فضلا عن مكتبة ثمينة وأموال ومنقولات عدة، وبقى المجلس دون مقر الى أن تم تجهيز مقر مؤقت فى الجيزة لا يكفى لممارسة نشاطه بشكل لائق حيث لا يتسع المقر الجديد لكافة مكوناته ولا يستوعب ايضا تطلعاته للتوسع وتنفيذ بعض الانشطة المنوطة به.
ومن التحديات أيضا التى واجهت المجلس فى هذه الفترة هو تحدى إعادة هيكلة المجلس ودعم قدراته حيث يعد التطوير المستمر لقدرات المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وأدائها وهيكلها أحد المهام الرئيسية لهذه المؤسسات، وزاد فى الحاح تنفيذ هذه المهمة فى المجلس القومى لحقوق الانسان عاملان: أولهما حاجة المجلس لإعادة النظر فى هيكله التنظيمى والادارى لتعزيز قدراته على التفاعل مع المتغيرات التى شهدتها البلاد، والتحديات الناجمة عنه، وثانيهما ان المجلس كان قد كلف مكتبا استشاريا لاعداد مشروع لاعادة الهيكلة لأن هيكله القائم اخفق فى ان يستوعب خصوصية المؤسسات الوطنية من حيث مكانتها بين الدولة والمجتمع، ومن حيث طبيعة علاقتها المؤسسية بالمجتمع الدولى وضرورة امتثالها لمعاييره التى تعرف بمبادئ باريس. وبناء على ذلك أعاد المجلس مشروع هيكلته فى ضوء خبرة تفاعله مع واجباته منذ تأسيسه.
راعت إعادة الهيكلة خبرة المراحل السابقة وطموحات التطوير كما راعى المجلس الايضاحات التى أوردها العاملون من جراء اعادة الهيكلة ومطالبتهم بفتح فرص الترقى لهم لبث روح الطموح والاعلان عن أى تعيينات جديدة ووضع قواعد للترقى تراعى الخبرة والارتقاء العلمى والترقيات، وواكب هذه الاجراءات مراجعة شاملة لحصة العاملين من التأمينات الاجتماعية وتطوير التعاقدات الخاصة للتأمين الصحى للعاملين، كما واصل المجلس جهوده فى دعم قدرات العاملين من خلال توفير الفرص لهم فى برنامج دعم القدرات التى توفرها المفوضية السامية لحقوق الانسان وغيرها من المنظمات الدولية، او من خلال برامج ينظمها المجلس ذاته ومشاركتهم فى تنظيم ورشات العمل والمؤتمرات. رغم هذه التحديات التى واجهت المجلس فإنه قام بمسئولياته خلال هذه الفترة وهناك العديد من الأنشطة البالغة الاهمية التى أنجزها والتى سنعرض نماذج منها مستقبلا.