فى الثانى عشر من هذا الشهر تم توقيع اتفاق للمصالحة الفلسطينية برعاية مصر وبدور مُقَدر لجهاز المخابرات العامة المصرية. ولقد انبنى هذا الاتفاق فى جوهره على اتفاق القاهرة عام 2011 الذى ينص باختصار على توحيد رأس السلطة الفلسطينية عبر تشكيل حكومة اتفاق وطنى وإطلاق انتخابات تشريعية ورئاسية. الإنجاز الذى تحقق قبل أسبوعين -مهم وهو استمرار للدور العربى المتنامى لمصر فى سوريا وليبيا، وثمة أمل كبير فى أن تستمر المصالحة الفلسطينية لأنها تقترن بإجراء عملى يهدف لإنهاء ازدواجية السلطة وأعنى به حل اللجنة الإدارية الحكومية التى كرست الأمر الواقع فى غزة ، وهذا الإجراء هو أبرز ما يميز مصالحة عام 2017 عما سبقها من مصالحات اقترنت بأسماء مدن عربية كمكة وصنعاء والدوحة فضلا عن القاهرة بطبيعة الحال صاحبة العدد الأكبر من الاتفاقات والمفاوضات والتفاهمات المماثلة، فالقضية الفلسطينية هى جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصري.
هناك إذن ما يدعو للتفاؤل بتوحد الصف الفلسطينى هذه المرة، لكن على الجانب الآخر فإن هناك تحديات جسيمة تواجه عملية المصالحة. جزء من هذه التحديات داخلى يرتبط بالقضايا الخلافية التى تم تأجيل التفاهم حولها لأن إثارتها الآن تُجهض المصالحة، لكن جزءا آخر له بعد خارجى وهو يرتبط بالتربص الإسرائيلى بالمصالحة وهذا أمر منطقى فالتشرذم الفلسطينى يحرف الانتباه عن جوهر الصراع العربى الإسرائيلي، ولهذا لم يكن مفاجئا أن يضع المجلس الوزارى الإسرائيلى المصغر لشئون السياسة والأمن قائمة طويلة من الشروط لقبول المصالحة واستئناف عملية التفاوض مع الفلسطنيين، تبدأ هذه الشروط بالاعتراف بإسرائيل وتفكيك سلاح حماس وتنتهى بقطع العلاقة مع إيران. وفى ضوء ذلك لعله لم يكن من الملائم أن يقوم وفد رفيع المستوى من حركة حماس بزيارة طهران بعد أسبوع من توقيع اتفاق المصالحة، فمثل هذه الزيارة تُكثِّف من محاولات تخريب المصالحة قبل استتابها - لاسيما وقد جاءت الزيارة مصحوبة بتصريحات تصعيدية من طرف قيادات حمساوية. قال يحيى السنوار رئيس حماس فى قطاع غزة عشية زيارته طهران «إن إيران هى الداعم الأكبر بالسلاح والمال والتدريب لكتائب القسّام»، وأضاف «أن الحركة أدخلت إلى القطاع خلال عامّى 2015 و 2016 من السلاح ما يفوق ما دخل خلال عشر سنوات»، وذكر «أقول من موقع قوة إننا نستطيع ضرب تل أبيب خلال خمس دقائق بعدد من الصواريخ يعادل ما أطلقناه خلال 51 يوما» فى إشارة لملابسات العدوان الإسرائيلى على غزة فى عام 2014.
إن كانت زيارة وفد حماس لطهران هدفها تحدى قرارات الكابينت الإسرائيلى المشار إليها فالكل يعلم أن علاقة إيران بحماس لم تنقطع، وأنه على حين توترت علاقة الطرفين سياسيا بسبب موقف خالد مشعل من الثورة السورية فى 2011 - فلقد استمرت العلاقة العسكرية مع كتائب القسام بدليل ما أشار إليه السنوار من تدفق السلاح بغزارة على غزة خلال عامى 2015 و2016. وإن كانت الزيارة تعبر عن وجهة نظر فلسطينية واحدة لا تحظى باتفاق داخلى بالضرورة فهذا ينطوى على تهديد مبكّر للمصالحة. وإن كان الغرض من الزيارة إطلاع إيران على بنود الاتفاق وتفاصيله فهذا يحرج مصر و معها كل الأطراف العربية الحريصة على إنجاح الاتفاق لأن الأمر يبدو كما لو كان هناك حرص على أخذ مباركة فورية من إيران. وفى هذا المقام من الأهمية بمكان أن ندرك أنه بقدر ما أن إيران داعمة بقوة للحق الفلسطينى منذ عام 1979 ولهذا الدعم مظاهره العديدة - فإن إيران على الجانب الآخر لها مشروعها الإقليمى التوسعى الذى توظف لإنجاحه العديد من الأوراق ومن بينها الورقة الفلسطينية. وقبل أيام قليلة كان للرئيس الإيرانى «المعتدل» حسن روحانى تصريح شديد الفجاجة عن أنه لا يمكن اتخاذ قرار حاسم فى سوريا أو العراق أو لبنان أو شمال إفريقيا أو الخليج «الفارسى «كما قال» دون أخذ الموقف الإيرانى فى الاعتبار»، وقد أثار هذا التصريح حفيظة أصدقاء إيران فى عواصم تلك الدول فما بالنا بخصومها؟ بل كيف يمكن لحماس نفسها أن تتعامل مع مثل هذا التصريح الذى يحوّل الدول العربية كافة إلى دول تابعة لمركز صنع القرار فى طهران؟
إن المعركة المفتوحة بين إيران من جانب وبين الولايات المتحدة وإسرائيل من جانب آخر تحتاج من إيران أن تظهر فى هذه المعركة بكامل قوتها، وتحتاج منها أن تُقابل الاجراءات الأمريكية بمعاقبة الحرس الثورى وحزب الله باستعراض عضلاتها سواء عبر التمسك ببرنامجها الصاروخى أو عبر التلويح بنفوذها فى الساحات العربية التى تطولها ومنها الساحة الفلسطينية، ومن هنا فإن زيارة حماس العاصمة الإيرانية فى هذا التوقيت الحرج والتفاخر بالسلاح والتدريب الإيرانيين لكتائب القسام وبالقدرة على ضرب العمق الإسرائيلى - مسائل تضر ولا تنفع وهى تستفز القوى الرامية للتخلص من إيران وحماس وحزب الله جميعا -ناهيكم عن ضرب المصالحة فى مقتل.
إن تنفيذ بنود المصالحة أمر ليس بالهيّن وهو عملية تحتاج إلى توفر الإرادة والعمل المخلص كما تحتاج أيضا إلى المتابعة الدائمة، ولعلنا لا نبدأ طريق الألف ميل بالدخول فى التجاذبات الإقليمية والدولية المعقدة حول إيران فهذه التجاذبات كفيلة بتشتيت النظر وإثارة الخلاف وبعثرة الجهد، وفى النهاية فإن من يدفع الثمن باهظا هو كل من شعبنا الفلسطينى وقضيتنا الفلسطينية.