أصعب ما نعانى منه فى مصر والوطن العربى، وربما بنسب متفاوته بين شعوب العالم، أن نرى العالم ونفكر فيه من خلال الأشخاص وليس من خلال الأفكار، نظن أن خلاصنا وحريتنا ورخاءنا وسعادتنا وحمايتنا وراحتنا في اختيار الشخص المناسب، معه وفى ظله نعيش حياة جميلة وسعيدة، لهذا غالباً ودائماً ما نبحث في هذا الشخص عن قدرات المخلص، البطل، النبى، المقدس، وهو ما دفعنا على مر التاريخ نعلى من شأن الأنبياء عن الوحى، والحكام عن المؤسسات، والأفراد عن الجماعة، والأيديولوجية عن العلم، وننسب لهم ما يتجاوز بشريتهم.
ارتبطنا بعبدالناصر فظهرت الناصرية، والساداتية، والأحمدية، والشاذلية، والحنفية، والشافعية، والأيوبية، والماركسية، والوجودية، وعرفنا نجم النجوم، وسيدة الشاشة، وسيدة الغناء، ومطرب الجيل، والكاتب المتفرد، والحزب الواحد، والشاعر الجبار.
وكرسنا سنوات صبانا وشبابنا وشيخوختنا للحياة تحت مظلتهم، وأصبح مجرد التمرد أو التفكير في الخروج عن عبادة الفرد جريمة تهتز لها السماء، فالخروج على الحاكم أصبح حراماً شرعاً، وعدم تبنى الماركسية أو الناصرية جهلاً، وتبنى المذهب الشيعي كفراً، وانتقاد الحاكم خيانة، وتبنى بعض الأفكار الغربية عمالة، واستسلمنا للقهر، والفساد، والديكتاتورية، والمهانة، والتخلف، وعبادة الأشخاص، وأفكار المنافقين والمنتفعين.
تعلمت من والدي رحمة الله عليه أن أترك بيني وبين ما اسمعه أو أراه أو اقرأه مسافة، قال لى: من يجلس فى مقعد المتفرج يرى العرض من جميع جوانبه، قد تعجبك بعض الأفكار أو الرؤى أو الأيديولوجيات، لكن عليك أن لا تحول الإعجاب إلى عقيدة مثل الدجمة، لا تجعل ما يعجبك يغفلك عن ما ترفضه، وما لا يتوافق ورؤيتك.
الدهماء والأغبياء وحدهم الذين يقعون فى أسر الأشخاص، يضعون القيد حول أعناقهم، تستهواهم بعض الأفكار والمقولات ويتركون عقولهم لمن يديرها، أغلب من يستسلمون للأفكار والشخصيات سرعان ما يتحولون من فكرة إلى أخرى، ومن شخص إلى آخر، والأغبياء منهم الذين يظلون على قيد بعينه.
الله وحده الذى يجب أن تسلم له وتستسلم له وتؤمن بما أقره، الفقهاء وجامعو السنة شخصيات اجتهدت، لك أن تقبل وترفض ما اجتهدوا فيه، وليس لك أن تجتهد فيما أقره الله وأمر به، الله هو الحقيقة الوحيدة الثابتة التى لا تتغير، إياك ان تنساه أو تأخذ من صفاته وتمنحها لنبى أو حاكم أو سياسي أو مفكر أو كاتب، إياك أن تعبد الأشخاص، ميز دائما بين الإعجاب والإيمان.