الدستور
ماجد حبته
وثائق اغتيال «كينيدي».. الحظر مستمر!
لا يزال اغتيال جون كينيدي لغزًا كبيرًا في تاريخ الولايات المتحدة، ومنذ ٢٢ من نوفمبر ١٩٦٣، يوم الاغتيال، ظهرت روايات كثيرة، أقلها مصداقية هي الرواية الرسمية. وتكون واهمًا إن اعتقدت أن الوثائق السرية التي تم الإعلان، مؤخرًا، عن إتاحتها أو رفع الحظر عنها ستضيف جديدًا أو ستحسم الجدل. ولن تكون متشائمًا إن استبعدت أن تحمل تلك الوثائق أيّ معلومات مهمة أو ذات قيمة!.



سبق أن تم رفع الحظر عن ملفات اغتيال كينيدي السرية، بموجب قانون صدر في ٢٦ أكتوبر سنة ١٩٩٢، بسبب تزايد الضغط الشعبي بعد تشكيك فيلم «JFK» في الرواية الرسمية ويدعم نظرية المؤامرة. غير أن ذلك القانون سمح بالإبقاء على سرية بعض الملفات لمدة ٢٥ سنة أخرى، انتهت يوم الخميس ٢٦ أكتوبر الجاري. وفيلم «JFK» أخرجه أوليفر ستون وشارك في كتابة السيناريو مع زخاري سكلار، عن كتاب لجيم جاريسون وجيم مارس، وتم عرضه في ٢٠ ديسمبر ١٩٩١. وخلال ٣ ساعات و٩ دقائق، مزج الفيلم الواقع بالخيال وقدم تفسيرات نسفت الرواية الرسمية كليًا.



الرواية الرسمية انتهى إليها تحقيق استغرق ١٠ أشهر، أشرف عليه إيرل وارين، قاضي المحكمة العليا، وملخصها أن لي هارفي أوزوالد، جندي «المارينز» السابق، تصرف بمفرده عندما أطلق النار على موكب كينيدي، وأصاب الرئيس بطلقتين في ظهره ورأسه. لكن لجنة تحقيق خاصة، تابعة لمجلس النواب الأمريكي، خلصت سنة ١٩٧٩ إلى أن كينيدي «اغتيل على الأرجح نتيجة مؤامرة»، مرجحة أن شخصين أطلقا النار. وما يدعم نظرية المؤامرة، هو أن «أوزوالد»، اغتيل هو الآخر بعد يومين من إلقاء القبض عليه، أثناء نقله من سجن المدينة، على يد مالك ملهى ليلي يُدعى جاك روبي.



لا يعرف أحد محتوى تلك الملفات، المعلومة المؤكدة هي أن الأرشيف الوطني الأمريكي سيرفع الحظر عن ٢٨٠٠ وثيقة فقط، أما الوثائق المتبقية، فقيل إنها ستخضع لمراجعة لن تظهر نتائجها إلا بعد ١٨٠ يومًا، بناء على طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووكالة المخابرات المركزية (CIA). وليس عليك إلا أن تضحك حين تقرأ أن ترامب لم يكن يريد الموافقة على هذا الطلب، لكنه لم يكن لديه خيار غير الموافقة. والضحك أيضًا هو التعليق الأنسب على ما نقلته وكالة «رويترز» عن مسئول في البيت الأبيض بأن «الرئيس ترامب يريد شفافية كاملة ويأمل في أن تقوم الوكالات بعملها وتفرج عن الوثائق المهمة في أسرع وقت ممكن».



لغز اغتيال كينيدي، بدأ منذ ترشحه للرئاسة، فكونه من الأقلية الكاثوليكية وضعه على مسافة كبيرة من منافسه ريتشارد نيكسون، وزاد من فرص الأخير أنه كان نائبًا للجنرال آيزنهاور، الرئيس ذي الشعبية الكبيرة. غير أن ما أذاب المسافة أو الفارق هو الكاريزما الشخصية لكينيدي، واللعب بورقتي الشباب والمستقبل، إضافة إلى صفقات عقدها والد كينيدي مع قوى تمتلك ثقلًا انتخابيًا وتأثيرًا سياسيًا قويًا. وهكذا، صار ما كان في حكم المستحيل واقعًا، وتم إعلان فوز كينيدي بانتخابات نوفمبر ١٩٦٠ خلفًا لـ«آيزنهاور» الذي أطلق فور مغادرته البيت الأبيض، في يناير ١٩٦١، تحذيره الشهير من شرور ومخاطر هيمنة المجمع العسكري الصناعي، على الحياة السياسية في الولايات المتحدة.



حتى انتهاء فترة حكم آيزنهاور، وقبل أن يطلق تحذيره السابق ذكره، كان واضحًا تمامًا أن المؤسسة الحاكمة طوال ما بين ١٩٤٢ - ١٩٦٠ واقعة تحت سيطرة المجمع العسكري الصناعي والمؤسسات الأمنية والمخابراتية، بتحالف مع عدد من الشركات الكبرى، لذلك ظهر هذا التمرد في محاولة إدارة كينيدي تخفيف حدة التوتر مع الاتحاد السوفييتي، ورفضها اجتياح كوبا، وقرارها بالانسحاب التدريجي من فيتنام، وعملها على فض الاشتباك في اليمن مع سعيها في التوصل حل وسط لقضية اللاجئين الفلسطينيين. وكذا معارضة كينيدي للمشروع النووي الإسرائيلي، ومحاولته إرسال فرق تفتيش للتأكد من سلمية البرنامج.



بهذا الشكل، دخل الإسرائيليون (أو الموساد الإسرائيلي تحديدًا) على الخط وصاروا طرفًا في نظرية المؤامرة. وما جعل ذلك أكثر من مجرد كونه استنتاجًا هو ظهور وثيقة تثبت زيارة جاك روبي، قاتل المتهم الرئيسي (أوزوالد) إلى إسرائيل في الفترة من ١٧ مايو وحتى ٧ يونيو ١٩٦٢، بصحبة زوجته. وتزايدت الشكوك بعد الكشف عن تبادل كينيدي لرسائل مع الرئيس جمال عبدالناصر تتعلق بالقضية الفلسطينية، اتفقا فيها على حلٍ كان من المفترض تطبيقه تحت إشرافهما.



كينيدي، إذن، هو الرئيس الأمريكي الأول وربما يكون الأخير، الذي فتح ملف قضية اللاجئين الفلسطينيين، وحاول أن يتوصل إلى حلول لها، وهو الملف الذي تم إغلاقه، بناء على طلب (أو أمر) الإسرائيليين الذين تلقوا دعمًا غير مسبوق من ليندون جونسون، نائب كينيدي الذي تولى الرئاسة عقب اغتياله. بل إن هناك من يتهمون جونسون نفسه بأنه أشرف على تنفيذ الاغتيال أو على الأقل تورط فيها، مستندين إلى أنه في غضون أشهر قليلة قام بمسح كل آثار كينيدي في السياسة الخارجية الأمريكية بنسبة مائة في المائة، وأعاد مفاتيح السيطرة إلى المجمع العسكري الصناعي والمؤسسات الأمنية والمخابراتية والشركات الكبرى المتحالفة.



أوجز فأقول إن ما خفي أو ما بقي تحت الفحص أو قيد المراجعة، قد يظل محجوبًا إلى الأبد، أما الوثائق التي سيتم الكشف عنها، والتي لم نعرف بعد محتواها، فلا تنتظر منها غير قصص هامشية وحواديت مسلية وتفاصيل فرعية، ولا شيء غير ذلك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف