التحرير
عمرو حسنى
سيمفونية الهزيمة
سيمفونية البطولة قام بتأليفها الموسيقار الألمانى الشهير بيتهوفن، وأهداها إلى القائد نابوليون بونابرت الذى زحف بجيشه لينتصر لثورة الشعب ضد استبداد القصر والنبلاء قبل أن يخذله نابوليون، رغم بطولته التى لا ينكرها أحد، ويتنصل من قيم الجمهورية التى رفعتها الثورة الفرنسية الأولى وينصب نفسه بعدها بفترة وجيزة إمبراطورًا على فرنسا. الثورة تشبه فورانًا بركانيًّا عارمًا، بينما التغيير الذى يبقى ويتأصل فى المجتمع يمر بعملية بطيئة ومتراكبة تتطلب خبرة ومهارة وتشبه الطهو على نار هادئة، هل يمكنك أن تطهو وجبة شهية على فوهة بركان؟ كل ما يحدث حولنا فى مصر فى هذه اللحظة من هجمة رهيبة للثورة المضادة ومحاولات فاجرة لترقيع القيم المهترئة التى ثار عليها الشعب، عندما أطاح بمبارك وعصابته الحاكمة وتصعيد السلطة لنماذج شبه بشرية عاطلة عن الموهبة فى كل المجالات، يؤكد لى أن الديناصور الأحمق ضيق الأفق محدود الخيال يلفظ أنفاسه الأخيرة، فلا تكتئب إن استغرق موته فترة زمنية طويلة فهو فى نهاية الأمر حيوان بالغ الضخامة والقوة وليس دجاجة تترنح وتسقط فى لحظات، الديناصور الذى تصيبه برمح فى قلبه لن يسقط قبل أن يدمر كل ما تطاله ضرباته الهائجة، ولن يلفظ أنفاسه قبل وقت طويل سيمر عليك وكأنه دهور. وحتى بعد أن يموت ستتعفن جثته الهائلة الحجم وتنشر الأمراض والروائح العفنة، ولن تتيح لك ضخامته البالغة أن تتخلص منه بالدفن إلا بعد أن ترتدى كمامة وقفازين وتضع خطة لتشريحه وتقطيعه بمبضع جراح ماهر. فهذه خطوة لا يجب أن يقوم بها الجزارون لأن التمزيق الأهوج بالسواطير قد ينثر الفيروسات فى الهواء من جديد. بيتهوفن العظيم لم يمزق سيمفونيته الثالثة الرائعة بعد أن خذله نابوليون. كل ما فعله أنه محا اسم نابوليون من عنوان النوتة الموسيقية ولكنه لم يمزقها ولم يتوقف عن قيادة الأوركسترا لعزفها. فعل هذا لأن سيمفونيته كانت تنتصر لقيمة أكبر كثيرًا من إعجابه ببطل كان يستبشر خيرًا فى انتصاره لها. لا تخيفنى الهجمة الشرسة على قيم العدالة الاجتماعية والرقى والتحضر، بقدر ما يخيفنى أن يتوقف الموهوبون عن الغناء ليبدأوا فى التقوقع داخل ذواتهم وعزف سيمفونية الهزيمة على أوتار أوجاعهم.

تعالوا نستمتع معًا بالاستماع لسيمفونية البطولة (الإيرويكا) التى ألفها بيتهوفن ليمجد الثورة على الاستبداد قبل أن يمجد بها شخص نابوليون الذى رفعه شعبه إلى مصاف الأبطال، ولم يكن يعلم أنه سيتنكر لمطالب الثورة الفرنسية ويجلس على عرش لويس السادس عشر لكى يعيد الملكية من جديد.
مقال من مفكرة الثورة

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف