المصريون
محمود سلطان
التعاطف مع الشرطة!!
بعد نكسة 20 أكتوبر المُهينة للدولة وللمؤسسات الأمنية والإعلامية، انتشرت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب بالتعاطف الشعبي مع الشرطة.. فالأخيرة بـ"تموت" على الجبهة.
والحال أن بعضَ ما نشر حول "الفضيحة"، أفضى بطبيعة الحال، إلى تنامي مشاعر التعاطف مع الشرطة.. لأن الشهداء كانوا ضحية إهمالٍ أو تقصيرٍ أو ضحية العشوائية والارتجالية.. وربما ضحية أمور أخرى، لم يُكشف عنها بعد.
النكسة لم تكن بحاجة إلى حملة تستجدي التعاطف مع الشرطة.. فالتعاطف اتسع بتلقائية، تعاطف عفوي وطبيعي وإنساني وأخلاقي، فليس للشهداء ذنبٌ فيما حدث، وإنما الإثم يقع على مَن دفع بهم إلى تلك المواجهة، بدون أن يوفّر لهم غطاء الحماية اللازمة.. إذ بلغ الإمعان في الإهمال، درجة أنهم ظلوا من الخامسة قبيل المغرب إلى يوم الصباح التالي، وهم يستغيثون بدون جدوى.. وتركوا فريسة تسلى عليهم الإرهابيون ذهابًا وإيابًا!.
التعاطف والغضب حاضران.. والمحنة لا تحتاج إلى استدرار تلك المشاعر.. ولكن التعاطف وحده سيظل مجرد مظاهر جنائزية وسرادقات عزاء ليلية على فضائيات أمراء الدم وأثرياء الحروب الأهلية.
التعاطف وحده لن يحمي الجنود والضباط، من الوقوع في كمائن مشابهة.. التعاطف وحده ربما يوظف سياسيًّا لاحقًا، للسكوت على الانتهاكات التي تهدر تضحيات شجاعة يقدمها رجال شرطة بطول البلاد وعرضها.. التعاطف بدون مظلة شعبية ضاغطة صوب المطالبة بالتحقيق مع المقصّرين، وإعلان نتائجه على الرأي العام.. سيحيل هذا التعاطف النبيل إلى أداة للشوشرة على الحقائق وللتواطؤ مع كل مَن أهمل وقصّر وشارك بإهماله وتقصيره في صنع مثل تلك الكوارث المهينة للكبرياء الوطني.
لا يحل لأحد أن يزايد على الشعب المصري، ويُعلّمه المشاعر والعواطف وكيف يحب بلده أو كيف يحترم ويقدر تضحيات أبنائه من شهداء الشرطة والجيش.. هذا الشعب الذي يسحقه الفقر والمرض والتعليم البائس والسلطوية القمعية، يحب بلده وأكثر وطنية، من هؤلاء الذين يلقون عليه دروسًا في الوطنية آناء الليل وأطراف النهار، من على منصات فضائيات تتاجر بالوطنية وتزايد على دماء الشهداء، وتحيل تلك الدماء، إلى شيكات مليونية تنتفخ بها جيوب وكروش والحسابات البنكية لملاكها وأصحابها.
هذا الشعب يحب بلده حبًّا مجانيًّا، رغم سحقه تحت عجلات الاستعلاء الطبقي والسلطوي والمالي الطفيلي الوحشي المتحالف مع القوى التي خرجت منتصرة بعد انتفاضة 30 يونيو.. يحب بلده حبًّا بلا مقابل.. حبًّا فطريًّا غريزيًّا .. وليس بحاجة إلى مَن لم تعفر أحذيتهم الباريسية بترابه، لكي يعلمونه كيف يحب ويتعاطف مع بلده ومحنته.. لأنه يعرف وطنه بكل تفاصيله يعيش معه منذ أن يستيقظ بعد الفجر إلى أن ينام منهكًا ومحطمًا من ساعات الشقاء الطويلة بحثًا عن لقمة العيش.. إنه يعرف وطنه أكثر من هؤلاء مدّعي الوطنية، والذين لا يرون منه إلا المنتجعات والبارات والتقلب بين أحضان الحسناوات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف