سكينة فؤاد
ودائما سلام على خير أجناد الأرض
أسئلة كثيرة عصفت برأسي وأنا أري الثمن الفادح الذي دفعته مجموعة من أشرف وأقوي من أنجبت مصر من خير المقاتلين.. من استشهد منهم ومن أصيب.. تساءلت وشيخ الأزهر ووزير الأوقاف يزوران مصابي الحدث الجلل علي طريق الواحات.. هل تذكرا وأوجعهما ضلال الأفكار التي جعلت المخططات الاستعمارية الدولية والإقليمية تنجح في تحويل جموع من الشباب إلي قتلة ومتوحشين.. ولماذا تأخر الأخذ الجاد بجميع دعوات التجديد الفكري ونقض ما علق بالتراث من إرث متخلف وظالم وخارج علي الدين والوطنية والإنسانية وتحول إلي أهم وقود لحرق الدول الوطنية وتدمير المنطقة؟!!
لذلك يدفع بكثير من الأمل ما يحدث في السعودية الآن ـ بعد أن أعلن النائب السعودي العام سعود بن عبد الله عن مبادرة الملك سلمان بن عبد العزيز بإنشاء مجمع الحديث النبوي في المدينة المنورة من صفوة من علماء الحديث في العالم لجمع كلمة علماء المسلمين وحفظ السنة النبوية الشريفة على واكتشاف الأحاديث والمفاهيم المكذوبة عن سيد الخلق صلوات الله عليه وسلامه.. وبنص الإعلان أن المجمع يهدف إلي التدقيق والتمحيص والتصحيح في استخدامات الأحاديث النبوية الشريفة والتخلص من النصوص الكاذبة والمتطرفة وحذف أي نص يتعارض مع تعاليم الإسلام ويبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال العنف.. وليس المهم من وأين يبدأ التجديد.. المهم بدايات جادة وعاجلة لتحرير العقل المسلم والفكر الإسلامي تضع نهاية للظلمات التي أرادوا أن يقودوا الأمة إليها.
تأملت وأطلت التأمل لوجوه شهداء طريق الواحات.. آمنت دائما أن وجوهنا وملامحنا تمتلئ بما في قلوبنا.. ما كل هذا النور والابتسامات المضيئة بإيمان وثبات وصلابة وإشراق وفتوة.. وكل ما أثق أنهم واجهوا به ما لم يحسب حسابه جيدا من قتلة ينتظرونهم وأسلحة حرب وتجهيزات ومخططات تُدار بالأحدث من تقنيات الاتصال والقتل. أثق أن غضب المصريين كان بحجم ثقتهم في قدرات أبنائهم من خير أجناد الأرض في الجيش والشرطة وبأدلة مواجهات دامية عبر تاريخهم الطويل ومنذ أسقط المصريون حكم الإخوان سواء مع ما زرعوه من إرهاب في سيناء وفي جميع أنحاء مصر ومؤسساتها.. وكان المصريون مازالوا يعيشون مجد وزهو انتصارات السادس من أكتوبر وعبقرية القتال والمقاتلين وما حققوه من معجزات.. أيضا غضب المصريين كان لغياب وضوح الرؤية ـ وما بادر إليه من كانوا وراء القتلة من نشر لأكاذيب وادعاءات وأرقام ونداءات نجدة فيما أطلقوا عليه تسريبات انكشف زيفها وكانت جزءا أساسيا من معركة الخسة والنذالة والشماتة وكل ما لا يفعله إلا أمثالهم!! أيضا كان حجم غضب المصريين بحجم عشقهم لأرضهم وكرامتها.. وما استقر في وعيهم الوطني أنهم لم يهزموا أبدا ولا يهزمون إلا عندما يحرمون من الأخذ بأسباب الانتصار ـ وكان ما حدث علي طريق الواحات مثالا من الأمثلة الموجعة والنادرة وأثق أن تحقيقات النائب العام ستكشف عنه لمحاسبة كل مسئول عما ارتكب بحق مصر ومجموعة من أشرف وأنبل أبنائها الذين استشهدوا ببسالة ورجولة وأداء بطولي في مواجهة أسلحة ومعدات الحرب التي جُهز بها القتلة والعملاء وبالأرقام الكثيفة التي واجهت القوة المحدودة، مستغلة ما يحيط بطريق الواحات من ظهير صحراوي كبير ومناطق جبلية خطرة رغم أنه طريق سياحي مهم يبدأ من أهرامات الجيزة وينتهي إلي الواحات البحرية التي يعشقها السياح وخاصة من ألمانيا وتمتلئ بالعيون الطبيعية والمقومات الساحرة لإقامة منتجع سياحي من أجمل منتجعات شمال إفريقيا بدلا من الإهمال الذي يملأه والمعاناة التي يعانيها أبناء الواحات والإهمال الذي يسمح بأن تعشش فيها خفافيش الإرهاب. وأنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة شهد طريق الواحات عددا من العمليات الإرهابية وفي كل الأحوال نحن نتحدث عن مناطق شديدة القرب من العاصمة والمدن الكبري ومعالم شهيرة كمدينة الإنتاج الاعلامي وشركة الأقمار الصناعية وأسواق تجارية كبيرة ـ فماذا عن المناطق البعيدة في قرانا وفي أعماق الصعيد؟!! هل لدينا قراءة أمينة واتصال ومعرفة حقيقية بأحوال البشر والأماكن علي خريطة بلادنا... عندما يستشهد خير وأشرف وأنبل شبابنا وهم يدافعون عن وطنهم بينما وزراء ومحافظون ومسئولون لا علاقة لهم بما يحدث فهذه جريمة لا تقل عما فعله الإرهابيون..!!
العلاقة بالمواطنين والقوي الشعبية واعتبارهم شركاء وفاعلين شديدي الأهمية في حرب بلدهم علي الإرهاب من خلال إمدادهم ومعرفتهم بما يحدث في بلادهم ووجود إجابات لتساؤلاتهم وتلبية احتياجاتهم، ورفع مستوي الخدمات التي تقدم لهم من أهم دوافع مشاركتهم في الحرب علي الإرهاب. وإذا كانت جميع المعطيات تقول إننا نواجه حربا كونية وإننا مستهدفون بالقدر الذي كانت الجريمة والحدث الجلل علي طريق الواحات، عنوانا له فيجب اختيار المسئولين، وفي مقدمتهم الوزراء والمحافظون علي قدر المعارك والمخاطر والتحديات أم أنه علي خير أجناد الأرض أن يستشهدوا وعلي الشعب أن يحزن ويغضب وعلي المسئولين أن يطلقوا بالونات تصريحات ومبادرات تكشف عن جهل مؤسف بالمواطن ومعاناته!! من يصدق أشكال المعاناة التي يعرضها ما تبقي من برامج جادة ـ ردا علي سؤال وجه لأحد المحافظين حول ترك الأهالي والتلاميذ الصغار يستخدمون ماسورة مياه ليعبروا فوق الترعة التي تقسم القرية التي يسكنونها إلي ناحيتين ـ ببساطة أوضح رد المحافظ أنه يري مأساة الناس لأول مرة!! فماذا يمكن أن يعرف هو وأمثاله عما يحدث في الظهير الصحراوي لجميع محافظاتنا تقريبا؟!!
لا أريد أن أتناول ما أفاض فيه زملاء حول الأخطاء التي وقعت فيها التغطية الإعلامية في غيبة المعلومات، التي يجب أن تقدم دون مساس بمقتضيات الأمن، مع إدراك واحترام حق المواطن في أن يعرف أو يقدم ما يساعد علي تهدئة قلقه حتي وضوح المعلومات الموثقة ودون أن يلجأ إلي مصادر الدس والتشكيك والتهويل التي كانت جزءا من المخطط الشيطاني لترويع المصريين مع مراعاة اختيار الخبرات المتخصصة التي تملك مؤهلات التحليل العلمي الجاد. أرجو من الإعلام المهني المحترم أن يستفيد من دروس أخطائه بالإضافة إلي ما لا يقل أهمية، فإذا كانت الأحداث تؤكد كل يوم اننا في مواجهة حرب كونية ومخططات تحاول استكمال تدميرها للمنطقة وفي القلب منها مصر ومواصلة تزويد ودعم أذرعها وذيولها وخدامها من جماعات إرهابية بالمليارات وأحدث أجهزة الاتصال وأسلحة الحرب! بعد ما حدث علي طريق الواحات بيومين فقط دمرت قواتنا الجوية 8 سيارات محملة بالأسلحة والذخائر. فهل نعود إلي إعلام التسطيح وتغييب الوعي والعقول وإثارة ما لا لزوم له من موضوعات.. بدلا من إعلام يحشد الطاقات الإيجابية ـ والوعي الموثق بحجم الأخطار المحيطة بهم وببلدهم وأشكال المشاركة المجتمعية لجميع فئات ومكونات المجتمع التي تستكمل وتقف في ظهر التضحيات النبيلة لأشرف وأعز أبناء مصر واعتبار كل أداء متهاون ومخل وعاجز ومرتعش ومنفصل عن الواقع الإنساني واحتياجات وهموم المواطن ومعاناته شريكا وداعما للإرهاب.