أشرف محمود
أين قانون محاسبة المعلومات المغلوطة ؟!
يبدو أننا أدمنا الأخطاء حتي باتت جزءا من حياتنا ، لم نتعلم الدرس رغم تكرر الخطأ ، لأننا لم نعترف يوما أننا أخطأنا ، وبالتالي نستمر في الدوران في دائرة مفرغة دون أن نتلمس طريقا للخروج منها ، فما حدث عقب معركة الواحات بين رجال الشرطة والإرهابيين والتي قدم فيها 16 من خيرة أبناء الوطن حياتهم ثمنا لأمن بلدهم وطمأنينة شعبهم ، وانضموا إلي قافلة عرسان الجنة الذين سبقوهم إليها ، لينالوا جزاء الشهداء الذين هم عند ربهم أحياء ، وفي الدنيا تبقي ذكراهم عطرة يستلهم منها المخلصون العبرة والمثل في الفداء ، ماحدث في تلك المعركة أعادنا إلي معركة كرم القواديس عندما انبري احد المواقع وأعلن تفاصيل عن المعركة قبل أن يعلن المتحدث العسكري أي معلومات ، ومن أسف أن ذلك الموقع اعتمد علي وكالات أجنبية ، ثبت بعد ذلك كذب روايتها ، وقتها طالب البعض بمحاسبة ذلك الموقع لكن القوات المسلحة ترفعت واكتفت بطلبها من وسائل الإعلام ضرورة تحري الدقة والاعتماد علي المصادر الرسمية وعدم الانسياق خلف الشائعات ، خصوصا ما يصدر عن الأعداء الذين يهمهم تعكير صفو المجتمع وإحباط معنويات المقاتلين ، وقتها طالب كثيرون من الحكومة بالتعجيل بسن قانون يعاقب علي جرائم بث الشائعات أو التحريض علي الوطن وأبنائه في الجيش والشرطة أو نشر أخبار كاذبة أو التحليل والتفسير لموضوعات تمس أمن الوطن وحربه ضد الإرهاب ، بعدما تفشت في المجتمع ظاهرة الخبراء الأمنيين الذين تتباري القنوات الفضائية في استضافتهم ليطلق كل منهم العنان لخياله ليصف ويحلل ويفسر أشياء لايعرف عنها أي معلومات ، وهنا وجب توجيه التحية للواء سمير فرج الذي أجاب عن سؤال لقناة فضائية عن معركة الواحات بأنه لايمكنه تفسير ماحدث لأن المعلومات لم تعلن من مصادرها بعد ، وحين إعلانها يمكننا قراءة الموقف وتناول تفاصيله ، وهو منطق كان الالتزام به واجبا وضروريا إلا أن أحدا لم يلتزم به إلا اللواء سمير فرج ، وفي المقابل كان الفضاء الافتراضي مشرعا أمام الجميع ليطير بخياله ويحلق في سماء الوهم بتفسيرات وتحليلات استراتيجية وعسكرية ، وتباري البعض منهم في الحديث عن أعداد الشهداء دون مراعاة لمشاعر المصريين الذين تأذوا كثيرا من ذكر أعداد غير حقيقية عن الشهداء ، وهو الأمر الذي لعبت فيه قناة فضائية دورا سلبيا أثار استياء الجميع وطالبوا بمعاقبتها ، لكن أمر العقاب تحول إلي مسرحية هزلية عندما اختلفت هيئتان تري كل واحدة منهما أحقيتها في المحاسبة بينما استغلت إدارة القناة الموقف وأعلنت أنها لن تلتزم بأي عقوبات ،لكل هذا كان لزاما علي الحكومة أن تختصر الزمن وتضع قانونا ضابطا وحازما في مواجهة جرائم المعلومات المغلوطة ، فالأمر لم يعد يحتمل الانتظار ، فما أكثر ما أهدرنا من وقت ويكفي أن المجتمع طالب منذ العام 2013 بضرورة تخصيص دوائر قضائية لمحاكمة المتهمين بارتكاب أعمال إرهابية ، إلا أن السنوات مرت دون أن يتم ذلك وحتي الآن لاتزال المحاكم تنظر القضايا والمتهمون يرتعون في السجون ويواصلون غيهم في المحاكمات وإرسال رسائلهم المشفرة إلي أعوانهم في الخارج ليواصلوا الأعمال الإرهابية ظنا منهم أنها كفيلة بعودتهم إلي مايحلمون به ، لذا فإننا نتمني الا يكون مصير القانون المنتظر لكبح جماح الشائعات والمعلومات المغلوطة كمصير غيره من القوانين التي التزمت الحكومة بإعدادها وتقديمها إلي البرلمان لكنها لم تتمكن من الانتهاء منها حتي الآن ، فالقانون المعني بمكافحة أرهاب المعلومات لايقل أهمية عن مكافحة الارهاب الميدانية ، خصوصا أننا في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي باتت السيطرة علي الشائعات مهمة صعبة ، ولايمكن ضبطها إلا بقانون رادع ، وكم أسعدني اهتمام بعض النواب بأمر القانون المنتظر ، واستعجالهم الحكومة من أجل عرض القانون علي البرلمان ، حيث أعلن النائب أحمد رفعت أن الحكومة تأخرت كثيرا في تقديم قانون مكافحة الجرائم الاليكترونية وفي مقدمتها التحريض الذي هو في القانون العام تهمة كاملة الأركان يعاقب صاحبها كمرتكبها ، وطالب النائب بضرورة أن يتضمن القانون المرتقب عقوبة التحريض علي قتل المجندين بالإعدام ، بعدما لوحظ في الفترة الأخيرة انتشار صفحات علي الفيسبوك تناصر الإرهاب وتحرض علي الجنود وتشمت في استشهادهم ، فماذا تنتظر الحكومة؟
الشاهد أن التأخير في إصدار قوانين ضبط ايقاع المجتمع وتحديد الحقوق والواجبات يؤدي إلي إرهاب لايقل ضراوة عن الإرهاب المسلح الذي تواجهه الدولة في أكثر من مكان ، وهو كما يعرف الجميع إرهاب تستخدم فيه أسلحة الجيل الرابع من الحروب والتي تعد الوسائل التكنولوجية إحدي أهم وسائلها التي تجيد تلك الجماعات الإرهابية استخدامها لإحداث الفتن وترويج الشائعات وتثبيط الهمم ، من نوعية تصوير مشاهد قتل الضحايا كما حدث في ليبيا أو بث تسجيلات صوتية ، وللأسف تجد هذه الأعمال من ينشرها ويردد مضمونها ويعتمد عليها في معلوماته حتي يمنحها المصداقية ، لذا لابد من قانون يحدد المسموح والممنوع في التعامل مع المعلومات التي تتعلق بأمن الوطن .