محمد درويش
نقطة في بحر - كلب وقط .. قطار وحمار
توقفت السيارة فجأة محدثة بفراملها صوتًا جذب انتباه كل زبائن محل بيع الخضراوات والفاكهة المجاور لمنزلي وانا بينهم.
نزلت من السيارة شابة بدا علي وجهها الغضب وانفعال كبير أضاع ملامح وجهها الجميل في بساطته ودون افراط في مكياجه.
توجهت إلي المعلم الجالس علي الميزان وواضح من هيئته أنه صاحب الدكان أو ربما كانت زبونة وتعرفه.
قالت له في حدة وحسم وهي تحاول كبح جماح غضبها وأثره علي صوتها: قل لهذا العامل ان هذا الكلب القابع بجوار الرصيف لم يفعل له شيئا كي ترميه بحجر، كان نائماً ولم يمسه بسوء حتي »بالهوهوة» فلماذا تضربه بالحجر.
واستطردت : اخبره ان الاسلام ينهي عن هذا ويطالبنا بالرفق بالكائنات التي خلقها الله مادامت لا تمثل خطرا علينا مثل هذا الكلب الذي كان يرقد في سلام.
انتهت الشابة من كلامها وتوجهت إلي سيارتها ونادي المعلم علي العامل ووبخه ودخلت في الحوار معه متسائلا :لماذا ضربته ؟ وفاجأني برده:نجس ابن كلب.
قلت له مالك وخلق الله،سبحانه أوجدهم بحكمته وليس لنا شأن في الانتقام منهم بهذا الأسلوب او غيره مادام لم يتعرضوا لنا بسوء.
وأردفت: هل تدرك ان النجاسة لا تقتصر علي البدن او الثياب، بل ايضا ربما تمتد إلي النفوس والقلوب فتصبح قاسية غليظة تري في مخلوقات الله الأليفة ما يستدعي ضربها وربما تسميمها.
تركت العامل الذي نظر إليَّ فاغراً فاه ودارت في رأسي مواقف كثيرة فيها العدوانية التي تغلف سلوك بعضنا نحن المصريين في التعامل مع ممتلكات الدولة او حيوانات سواء نمتلكها أو ضالة.
تذكرت ما قرأناه منذ أيام عن السائحة السويسرية التي كانت ضمن فوج في زيارة الأهرامات وتدخلت لإنقاذ حمار من براثن سياط صاحبه واشترته منه باليورو واستطاعت الوصول إلي صاحبة مزرعة من النشطاء المهتمين بالرفق بالحيوان وبعد علاج الحمار في مستشفي بيطري اصبح الآن في المزرعة بعيدا عن صاحبه المفتري.
وقارنت موقف السائحة السويسرية التي كانت متسامحة إلي حد كبير مع صاحب الحمار بموقف طبيب من بني جلدتها يعمل بمستشفي مس بروك الخيري التي تلاصق الآن محكمة جنوب القاهرة.
شاهدته وانا صغير يجري إلي الشارع ويخطف السوط من يد عربجي حمّل العربة بما ينوء به كاهل حماره واراد بالسياط ان يجبره علي السير ليصعد مطلعا يقود إلي مساكن زينهم، المطلع الذي كان سائقو التاكسي يرفضون صعوده. فوجئنا بالطبيب ينهال بالسوط علي العربجي ليذيقه بعضاً مما ارتكب في حق الحمار.
كما عادت بي الذاكرة الي رحلة في قطار الإسكندرية كيف انهالت الأحجار من صبية صغار والقطار يخترق أرضاً زراعية ولولا ستر الله والزجاج المزدوج لكانت كارثة.
هذا الصبي في الريف هو نفسه صبي المدينة الذي يستأسد علي كلاب وقطط الشارع نهاراً ضربا وركلا، وفي الليل يفر منها الفرار من المجزوم وهي تحاول الانتقام مما فعله الإنسان بها في النهار.
في المقابل جلست مع جد فاضل في حديقة منزله ووجدته يشكو لي من حفيده الصغير الذي حضر من أمريكا في إجازة وعندما وجد قطا صغيرا في الشارع احتضنه وجاء به إلي المنزل راجيا من جده السماح له ببقائه في البيت بعد سفره اذا لم ينجح في انهاء اجراءات اصطحابه معه إلي أمريكا.
تذكرت كل ذلك وانا اتساءل: لماذا هذا الميراث الثقيل الذي اصبح ثقافة سلوكية خالصة في التعامل مع كلب وقط أو قطار وحمار.. هل لديكم تفسير؟!