جمال سلطان
لماذا أقال السيسي رئيس الأركان ؟
قرارات رئيس الجمهورية قرارات سياسية ، سواء كانت قرارات متعلقة بالاقتصاد أو الأمن أو القوات المسلحة أو غير ذلك ، ومنها قراراته بإقالة أو تعيين قادة الجيش ، وهو حق كفله له الدستور ، باستثناء منصب القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع ، فهو محصن دستوريا من العزل والإقالة لدورتين رئاسيتين كاملتين ، إلا أن قرار السيسي المفاجئ أمس بعزل رئيس أركان القوات المسلحة الفريق أول محمود حجازي جاء مثيرا للجدل السياسي على نطاق واسع ، خاصة في أوساط المعارضين ، بينما لوحظ أن "الموالين" للسلطة وللرئيس على طول الخط امتنعوا عن التعليق وربما أخذتهم الدهشة وربما لم يجدوا ما يعلقون به على القرار وربما خشية أن يحسب على أحدهم كلمة هنا أو هناك فتوضع عليه علامات استفهام أو توقع عليه قرارات الحرمان من "القرب" .
قرار عزل رئيس الأركان زاد من حساسيته أنه متعلق بصهر الرئيس نفسه ، ولاعتبارات إنسانية محض ، واعتبارات الثقافة المجتمعية الراسخة في الشرق ، فإن قرارا يتعلق بصهر الرئيس ليس بالقرار السهل ولا المعتاد ، وإنما هو قرار بطعم العلقم للاثنين ، ولعله لذلك كان السؤال الأكثر إلحاحا أمس هو : هل القرار برغبة من الرئيس أم بتوصية من القائد العام أم باقتراح من أطراف أخرى ، وبطبيعة الحال ، فإن اختيار الإجابة هنا سيحدد المعنى المترتب على القرار وربما يرسم صورة للمستقبل القريب .
في الدول التي تعيش حياة ديمقراطية حقيقية فإن القرارات تكون مفهومة ومبررة أمام عامة الشعب ، وتكون مطروحة للنقاش على نطاق واسع في وسائل الإعلام المختلفة ، من صحف وفضائيات ومواقع إخبارية وربما في البرلمان نفسه ، لأن الشعب هو السيد ، وهو مصدر السلطات جميعا ، وبالتالي فمن حقه أن يعرف وأن يتساءل وأن يكون على "نور" من طبيعة القرارات عالية الأهمية في أعلى هرم السلطة ، وغالبا ما يكون القرار مرتبطا بواقع أو واقعة أو خلاف معروف أو ما شابه ذلك ، بحيث يمكن فهم أبعاده وأسبابه ، وكثيرا ما يقوم أطرافه بالحديث لوسائل الإعلام ، كل يعبر عن رأيه وعن طبيعة ما حدث ، ولكن في العالم الثالث عادة تكون الشعوب معزولة عن مثل تلك القرارات ، ويصعب أن تفهم لها سببا أو معنى أو مغزى ، وغالبا لن تجد من يجيبك عن الأسئلة الضرورية ، لتصبح معلقة ، تاركة المجال للإشاعات والتخرصات أن تنتشر بين الناس ، كل يذهب لتفسير وكل يذهب لمغزى ، والبعض يضع "التوابل" الإخبارية المتعلقة .
بعض التفسيرات أمس ذهبت إلى أن القرار ربما كان تمهيدا لتكليف الفريق حجازي برئاسة الوزارة الجديدة ، بعد الأنباء المتوالية عن مرض المهندس شريف اسماعيل رئيس الوزراء الحالي ، وهو تفسير أعتقد أنه ضعيف للغاية ، لأن منصب رئيس الأركان في الوضع الحالي يجعل صاحبه جزءا من "عصب السلطة" والقرار ، بينما رئاسة الوزارة منصب أقرب للسكرتارية التنفيذية لصاحب القرار ، والبعض حاول الربط بينه وبين حادث الواحات ، وهو افتراض بعيد ، لأن الجيش ليس طرفا في الكارثة ، والداخلية تتحمل كامل المسئولية عنها ، كما أن الفريق حجازي كان خارج البلاد وقتها ممثلا للدولة في مؤتمر رسمي في الولايات المتحدة ، والحقيقة أن إقالته عقب عودته من واشنطن مباشرة أيضا طرحت علامات استفهام عن السبب الغريب والمفاجئ .
هناك من يربط بين القرار المفاجئ وبين التطورات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية المقبلة ، والضغط المعنوي والسياسي الذي يمثله الفريق أحمد شفيق بأنباء احتمال ترشحه للرئاسة ، وهناك ما يشبه الإجماع على أنه الشخص الوحيد من الناحية العملية حاليا الذي يمثل "البديل" للسيسي في حال أجريت انتخابات ، أو في حال اعتذر السيسي عن الترشح أو كانت "الأجواء" الإقليمية والمحلية لا تساعده على الاستمرار في منصبه ، وشفيق لا يحظى بالقبول داخل المؤسسة ولدى شخصيات لها حضور معنوي كبير عند أصحاب القرار ، وبالتالي ، يرى هؤلاء "البعض" أن قرار عزل حجازي ربما يكون متعلقا بتجهيز "البديل" من داخل المؤسسة ، إذا جد في الأمور أمور .
بغض النظر عن تلك التكهنات كلها ، فلا شك أن قرار إقالة رئيس الأركان بصورة مفاجئة ، وبكل الملابسات التي تحتف به ، هو قرار مثير للغاية ، وشديد الغموض ، خاصة وأنه لا يوجد أي سبب ظاهر ومقنع لقرار بهذا الحجم ، وغالبا لن يعرف السبب إلا بعد فترة زمنية تكون كافية لرؤية المشهد المصري الجديد في 2018 .