الأهرام
وفاء نبيل
لا تخبر أحد بأوجاعك
لا تخبر أحد بأوجاع قلبك، ولا تحاول أن تعلن للعالم كله ماذا فقدت، فأنت لن تجعلهم يشاركونك أحزانك أبدا، وحتى إن فرحت، فبالطبع لن يفرحوا معك، فكل كائن حى يمشى بجراحه صامتا، ولم يعد أحد يفهم أحدا ولا يكترث سوى لهمومه الشخصية
فالعالم حولنا قد تحول إلى نشرة أخبار صباحية كبيرة، لا تعرف سوى الأرقام فقد، ولا تعبأ بأخبار القلوب أوالأرواح، ومتاعبها، ولاتخبرنا نشرة أخبارنا تلك، إلا بأعداد القتلى والجرحى، والمفقودين، والمهجرين، والمعتصمين، وطالبى الإنفصال، والمعتقلين، والمتمردين على أحوال بلادهم، وليس فيها أصدق من أخبار البورصات العالمية، وأسعار براميل النفط، وإكتشافات مناجم الذهب والماس، بأعماق الجبال والكهوف فى جوف الأراضى المظلمة، بأبعد ركن بالدنيا.

وإذا حاولت نشرة أخبارنا تجميل وجهها الجامد الصلب، لتبدو أكثر إنسانية ورحمة أمامنا، أدرجت ضمن أخبارها، خبرا عابرا عن الإهتمام بأخر سلالة من بعض الحيوانات النادرة التى هى وشك الإنقراض، وأظهرت لنا كيف أنه فى إحدى حدائق الحيوان بدولة أوربية، يعتنون بهذا الحيوان النادر بطريقة فائقة، لأنه أخر فرد فى عائلته، ويحاولون البحث له عن أنثى ليعيدوا إحياء سلالته من جديد، والحفاظ عليها، فى حين أن ملايين الأطفال يقتلون بمناطق كثيرة على هذه الأرض دون أن تدمع لهم عين أحد!!

فهل علمت ذات صباح أن بورصة ما قد تأثرت لأحزان أم فقدت أبنها، أو أب لا يعلم مكان أولاده، أو لدموع طفل يجلس على أنقاض مدينته، بسبب قذيفة صاروخية، أفقدته كل عائلته؟

إن أصحاب الملابس الفاخرة الذين يديرون العالم من أجمل بقاع الدنيا عبر مؤتمراتهم، ولقائاتهم التى يلتقطون فيها الصور وهم مبتسمون، تكاد الصور تخرج لنا روائح عطورهم الثمينة، من فرط أناقتهم البادية منها، هم ذاتهم الذين يمنعون الماء والطعام عن بقية أخوانهم فى هذا الكوكب العجيب.

لا تخبر أحزانك لأحد، لأن هذا العالم الجائع للشر، لن يكترث أبدا، لهمومك البسيطة، بالمقارنة بالدماء السائلة دوما على أراضيه، بمباركة الكبار وسعادتهم، رغم أنهم يوهموننا بأنهم يعملون دائما وأبدا من أجل راحتنا، نحن الذين لا نعلم أين تكمن مصالحنا، ولا ندرك كيفية تسيير أمورنا، كما يدركونها هم الخبراء بكل شىء.

لا تخبر أحد بأوجاعك، تحملها بشجاعة، وصبر، وأحملها فوق ظهرك طوال حياتك، وأدخلها معك القبر، فربما شفعت لك، ما أقترفته من ذنوب صغيرة، فى حياة لا نعلم كيف سيحاسب بعدها من إقترفوا فيها جرائم بشعة فى حقوق أعدادا هائلة من البشر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف