* منذ عرفت البشرية أول حضارة "خضراء" بأرض مصر المحروسة كان للمرأة دور رئيسي ومتجدد في بناء الوطن ورعاية الأسرة والتوفير والإنتاج.. تعادلت مشاركة الملكات والأميرات ضمن دولاب الحكم وردهات المعابد وسجلت الفلاحة بطولات في الحقل عند الزراعة والحصاد.. طال الشعور بالفخر الأم الكبري ايزيس وحتشبسوت ونفرتيتي وكليوباترا وغيرهن اللاتي قام الفنان المصري القديم بكتابة قصصهن والأحداث المشاركات فيها بأزميل كالقلم الآن.. ولم يهمل الفلاح الفصيح وأسرته هنية وصابرة وخضرة وأم الخير.. بل ان الفلاحة والمرأة المصرية بشكل عام تتميز عبر التاريخ في انها تحملت مسئولية الأسرة في سن مبكرة وعدد حالات أكثر من أن يحصي بعد وفاة الزوج وقرارها الحاسم.. تحمل مسئولية الأولاد والعبور بأحلامهم إلي شاطئ التحقيق.. ومازلنا في الألفية الثالثة نجد أمامنا نماذج من النساء البطلات اللاتي عشن في ملابس الرجال وحملن مهمة شاقة لرعاية أبنائهن صبيانا وبنات حتي اطمئنن إلي مسيرتهم في مشوار الحياة.
** المرأة المصرية رغم ان الكثير منهن فضلن عدم الظهور في الصورة.. إلا اننا ندرك ونعرف ملايين القصص وراء سائر البيوت عبر التاريخ عن بطولات وتضحيات وحكمة أنقذت المعيشة من الحرائق المدمرة وأطفأتها دائما بكلمة الصواب.. وربما كان ذلك وراء الفهم العام لمختلف الأجيال بقيمة الأم ومكانتها بدءا من الحديث النبوي الشريف الذي أوصي بالأم.. وليس انتهاء ببيت الشعر الخالد الذي أطلقه حافظ إبراهيم ابان معركة تحرير المرأة التي خاضها قاسم أمين أوائل القرن التاسع عشر.. عندما قال الأم مدرسة ان انت ربيتها أخرجت شعبا طيب الأعراق.
** هذه الأم التي يفوح عطرها في مختلف المهن والمجالات الآن من الوزيرة إلي العاملة.. نجمة الفنون إلي سائقة الجرار.. عندما نختار لها عاماً أو نتجه إلي حمايتها من التمييز والتحرش والعنف والإيذاء.. كانت تقدم فقط بعض الواجب وترد بعض الجميل الشامل الذي لا يعرف تفرقة في المستوي الاقتصادي أو الاجتماعي أو المادي.. يكفي انها صاعدة كالجبل.. مشرقة كالشمس.. قادرة دائماً علي الانتقال من مرحلة الطفولة والدراسة إلي مرحلة الزواج والأمومة.. الأخت.. الحبيبة.. الراعية لكل ما هو جميل ونبيل.. ومهما اعتمدنا قوانين للرعاية الاجتماعية والحفاظ علي حقوقها ونصيبها من الميراث وحمايتها من غوائل الزمان.. نحن فقط نسدد فاتورة قديمة تعود لآلاف السنين وتعاقب الأعوام.. انها دائماً أم الخير.. منبع الخير.. الشمعة التي تضيء الظلام.. التي تضحي بكل غال ونفيس ليطمئن أبناؤها وبناتها وتنظم حياتهم.. يكفي اننا جميعاً نخاطب الوطن الغالي مصر بأنها الأم.
** وهذه الأم رغم تمتعها بالأصالة والذكاء والقلب الأبيض والرضا في الحياة بأقل القليل نجدنا مقصرين تماماً فيما يتعلق بمحو أميتها وتشجيعها علي التعليم.. الذي يفجر ما بداخلها من طاقات فنحن لدينا حسب الإحصائيات 15 مليون أمي.. منهم 8 ملايين سيدة.. لا يستطعن القراءة والكتابة.. ناهيك عن المتسربات من حقل التعليم لظروف اجتماعية ومادية ندركها في القري الفقيرة والصعيد.. نسبة الأمية 20.4% لا تليق بشعب صنع الحضارة.. ورفع طوال القرن الماضي الحملة الشعبية ضد الجهل والفقر والمرض.. كذلك الثلاثي المتشابك الأطراف.. كيف حدث هذا ونحن نفتتح الآلاف من المدارس وسمحنا بالتكدس في الفصول.. لنوفي بالتزام التعليم الأساسي للجميع.. كيف يحدث هذا ولدينا من الشباب النبيل المستعد للتطوع لمحو الأمية وليكن البداية بين الأهل والجيران.. لماذا لا نفتح دور العبادة لهذا الغرض.. وكذلك مراكز الشباب وبيوت الثقافة.. ونشترط فعلا في المتقدم لمهنة المدرس أن يمحو أمية عدد معين من الأميات.. أين هم شباب الخدمة العامة الذين يمضون عاماً من الخدمة النظرية أو المظهرية في جمعيات المجتمع المدني.. ولم نسمع عن ناتج إيجابي لهم في مجال محو الأمية.. أين الخطة المبشرة التي تحدثوا عنها كثيراً لإعلان المحافظات خالية من الأمية.. ألا يعني ذلك بداية جديدة للوطن وسلاحاً مهماً نذود به المرأة المصرية لتؤدي رسالتها وتركز في أعبائها.. أيها السادة علموا أم الخير في القري والنجوع تحصدوا كل الخير من أجل مستقبل الوطن بإذن الله.