عباس الطرابيلى
هموم مصرية - الفار.. مات يا سيناوية
فى سطور قليلة قرأت نعيه أمس ـ فى الأهرام ـ ومن لم ينشر نعيه فى الأهرام كأنه لم يمت!! وربما لا يتذكر أحد هذا الرجل. وربما يتذكره فقط أبناء شمال سيناء.. والعواجيز بالذات، خصوصاً أحلامه عن تنمية ثروات سيناء، ومنذ خمسينيات القرن الماضى!!
هو المهندس، والعالم، والجيولوجى السيناوى: درويش مصطفى الفار.. وكانت أبحاثه ودراساته، بل وأحلامه تتركز على برنامج شامل لاستثمار ثروات سيناء، فكم كتب وخطب والتقى مسئولين.. إذ شمال سيناء ـ حيث ولد غنية بالمعادن غالية الثمن، منها الرخام.. بكل جماليات الرخام المصرى.. ومنها الفوسفات والمنجنيز.. والفحم وبالطبع البترول.. وتركزت أبحاث هذا الرجل حول الفحم بالذات، وهو المكتشف الحقيقى لمنجم الفحم فى المغارة، جنوب غرب مدينة العريش بحوالى 170 كم.. وكان وراء الإلحاح علي استثمار هذا الفحم سواء لتشغيل محطات الكهرباء.. أو صناعات الحديد والصلب.. وربما أيضاً للتصدير.
<< وتحقق حلم درويش الفار.. عندما نفذت الدولة مشروعه لاستثمار فحم المغارة بل وفكرت مصر فى إنشاء محطة لتوليد الكهرباء شمال شرق السويس، اعتماداً على استخدام الفحم بدلاً من الغاز أو المازوت.. أو غيرهما.. واكتمل المشروع.. ولكن بعد أيام تعد باليد الواحدة احتلت إسرائيل سيناء فى يونيه 1967 وتوقف الحلم.
وبعد التحرير جاء الكيميائى عبدالهادى قنديل ـ وهو وزير للبترول والثروة المعدنية ليحيى هذا المنجم. واتفق مع بريطانيا بقرض إنجليزى، على إعادة تشغيل منجم فحم المغارة.. وهذا يشكر عليه الكيميائى قنديل. ولكن لحروب المافيا التى استغلت وجود بعض الشوائب فى هذا الفحم تم إلغاء فكرة محطة الكهرباء.. واستمرت مصر تصدر فحم المغارة إلى تركيا وإيطاليا والبرتغال وهولندا.. وللأسف المنجم مغلق الآن والشركة تحت التصفية. المهم أن بعض فدائيى تنظيم ثورة مصر خلال حرب الاستنزاف التى قامت بها مصر ضد الاحتلال الإسرائيلى لجأوا للهروب داخل هذا المنجم.. فقررت إسرائيل إغراق أنفاق المنجم بالمياه، التى كانت تستعمل فى غسل الفحم، قبل تصديره. وفقدنا عدداً من المناضلين.. ولجأت إسرائيل إلى «إغراق» المنجم بالمياه ولم تطارد الفدائيين خشية أن يقوم هؤلاء الفدائيون بنسف النفق وقتل جنود إسرائيل.
<< ولقد قابلت درويش الفار مرتين.. الأولى فى مدينة الدوحة حيث كان يعيش ـ ولكن ذلك كان من حوالى 30 عاماً وكنت أعرف حكايته مع فحم المغارة.. وأحلامه لتنمية سيناء.. وروى لى حكاياته. والثانية فى إحدى زياراته لسيناء، أيام كان اللواء محمد منير شاش ـ رجل المدفعية والتنمية هناك ـ وتحدثنا طويلاً عن أهم مقترحاته.. لتنمية سيناء.
وعاش الرجل فى الدوحة ـ حيث كان يعمل سنوات طويلة.. وهناك كانت النهاية ليحمل لنا «الأهرام» خبر رحيله عن عالمنا فى دولة قطر.. حيث مات فيها يوم الخميس ـ قبل الماضى ــ ولكنه أوصى أن يدفن فى رمال سيناء ـ معشوقته الدائمة ـ وحلمه الذى تعثر.. وربما كان هذا التعثر من أسباب استمرار حياته هناك فى الدوحة.
<< وصمم الرجل على أن يعود جسده إلى رمال سيناء.. ليذوب ويفنى فى الأرض التى عشقها.. كما عاشت روحه وستظل تحلق فوق قبره هناك.
ترى كم من عارفى هذا الرجل حضر أمس العزاء الذى أقامته الأسرة فى مسجد آل رشدان بمدينة نصر. كم منهم يعرف قيمة وقدر هذا الرجل.. وما قدمه لسيناء.. ولبلده الذى كان يعشقه.. رغم البعاد..
رحم الله الجيولوجى، العالم. المهندس، درويش مصطفى الفار.. مكتشف منجم فحم المغارة.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.