الأخبار
رفعت رشاد
دروس من الصين
مشاكلنا الداخلية لا تعني انشغالنا لدرجة عن متابعة ما يجري في العالم. ومن أهم ما يجب أن ندرس نتائجه ونحللها كحدث علي درجة كبيرة من الأهمية، المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي عقد مؤخرا. كعادة الدول الكبيرة فانعقاد المؤتمر مناسبة مهمة لرسم طريق الدولة في المرحلة القادمة وتصحيح ما قد يكون وقع خلال الفترة الماضية وهو أساس من أسس التنظيم وعلم الإدارة السليمة، فقواعد التنظيم ومنهجية الإدارة تنطبق علي الدول كما تنطبق علي المؤسسات الأصغر من شركات أو كيانات تجارية.
جدد المؤتمر الثقة في الرئيس شي جين بينج بعدما أثبت الرجل أن رؤيته وسياساته دفعت بالبلاد خطوات للأمام وبعدما قدم تصوراته للفترة القادمة التي تسعي الصين خلالها إلي تحقيق الأهداف الكبيرة ومنها ترسيخ مكانتها كدولة عظمي. لا تسعي الصين إلي أهدافها بالتمنيات وإنما بالتخطيط والعمل الجاد الدءوب وتحديد المسارات. طرحت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي مفاهيم خمسة للتنمية في المرحلة القادمة هي : الابتكار والتنسيق والخضرة والانفتاح والمشاركة. الابتكار بالنسبة للصينيين القوة المحركة الأولي لقيادة التنمية ويعالج التنسيق العلاقات المهمة في عملية التنمية واعتبروا الخضرة شرطا لازما للتنمية المستدامة أما الانفتاح فهو الطريق الأساسي المؤدي إلي التنمية بتعزيز المنفعة المتبادلة مع دول العالم وتحقق المشاركة المطلب الجوهري للشعب وهو العدالة الاجتماعية وتقاسم الشعب ثمار التنمية.
اعتمد المؤتمر ما طرحه الرئيس بينج والذي يتم تنفيذه من خلال خطة خمسية حسبما تعودت الدول الاشتراكية أو الشيوعية وبالطبع تم تقسيم مراحل التنمية المستهدفة علي السنوات والعقود القادمة بعدما حققت الصين معدل نمو بلغ 7٫2% في وقت بلغ فيه متوسط النمو العالمي 2٫5% وفي الدول النامية 4% واحتل الناتج المحلي الإجمالي الصيني 15% من حجم الاقتصاد العالمي وصارت الصين في المرتبة الثانية اقتصاديا بعد الولايات المتحدة الأمريكية وقد ظل معدل البطالة في حدوده وهي 5% بينما انخفضت نسبة الفقر من 10٫2% إلي 4% بعد توفير فرص عمل لأكثر من 13 مليون شاب.
هذه الصورة الإيجابية في دولة بحجم الصين لا تعني أنه تم حل كل مشاكلها والقضاء علي مثلث التخلف وهو الجهل والمرض والفقر. الصين تولي كل مجال اهتماما كبيرا بهذه المسألة ففي مجال الجهل والفقر يؤمن الرئيس بينج بأن التخلص من هذين الأمرين يعتمد علي التخلص من فقر الوعي وفقر الفكر، فالصين وحتي قبل تولي بينج كانت قد حلت مشكلة الفقر الاقتصادي إلي حد كبير رغم وجود ما يقرب من 100 مليون فقير، تتطلع الدولة لحل مشاكلهم ليس اقتصاديا فحسب ولكن أيضا من خلال ما أسموه الشمول أي السعي لتحقيق الحياة الرغدة بشكل شامل وتعميق الإصلاح الذي يجسد تطلعات الناس العالية في كل المجالات بحيث تصبح معيشة المواطنين أكثر يسرا. عندما نتابع التفاصيل الصغيرة في مسيرة الصين التنموية نجد إبداعا في مجالات تحقق الكثير والكثير، فقد أرسل لي صديق فيديو قصيراً يوضح كيف تتغلب الصين علي مشكلة التصحر ونشر الخضرة بطرق غير تقليدية بما يمكنها في يوم ما وبعد تطوير هذه الطريقة من تحويل كل أراضي الصين إلي مساحات خضراء وهو ما يحقق وفرا غذائيا هائلا وازدهارا مناخيا غير مسبوق. من جهة أخري يتغلبون علي العقبات التي تسببها مشكلة الأمية وهم في دولة بهذا الحجم مساحيا وسكانيا بفتح الفصول المتقدمة لكبار السن والتي تشهد إقبالا كبيرا تشجعه الحكومة بأساليب ترغيب ستصل بالصين بعد فترة إلي أن تصبح دولة متعلمة بالكامل ولا يوجد فيها أي نسبة أمية.
إن قيادة دولة بحجم الصين ومثل هذا العدد من السكان أمر غير عادي. لقد مهد الآباء الثوريون التربة وجاء الأبناء الذين تنتقل بينهم السلطة بسلاسة لكي يعظموا من إرث الآباء وميراث دولتهم العريقة ليحتلوا مكانتهم اللائقة. لم يكن حجم سكان الصين عائقا أمام التنمية ولم تكن الاشتراكية اشتراكية فقر كما قال السادات علي اشتراكيتنا. لقد حولوا الليمون الحامض إلي عصير حلو شرابه بدلا من أن يلعنوا مرارة المذاق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف