الأهرام
أنور عبد اللطيف
«صحافة العيال» من قصر الباشا لشقة رئيس التحرير
أنتظر بشغف بدء فعاليات منتدى شباب العالم بشرم الشيخ برعاية الرئيس السيسى السبت القادم، وقد اعتدنا محاولات تعكير العلاقة بين الدولة وشبابها، كلما استمرت عمليات النهوض والبناء وزرع الثقة بطريقة ديموقراطية صحية استمرت أيضا محاولات إثارة الفتن والإرهاب، وإحياء مفهوم «دولة العواجيز» و «دولة العيال»..وتاريخ مصر «القائد» حافل بمشاريع نهضوية كان رائدها الشباب، فى1919 وثورة 1952 وحتى ثورة 25 يناير حين وصل التفاهم بين دولة العواجيز ودولة «الشباب» إلى حالة القطيعة، وكانت نتاجا لحراك اجتماعي طبيعي يضع مقاليد السلطة فى يد صناع مستقبل أى بلد وهم أبناء الطبقة الوسطى، وبسببها أستطيع أن أفهم عودة الوعى فى دول حولنا بقيمة الشباب والإيمان «المفاجئ» بدوره فى تقرير مصير المستقبل، وهو نتاج لما يجرى بالدولة «المركز» التى يشكل الشباب 65 بالمائة من سكانها، والصحوة التي قادها الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى ـ وهو الذى لم يبلغ الثلاثة والثلاثين من العمر ـ وحلم المستقبل الذى يجسده مشرع «نيوم» هو محاولة للإمساك بالفرصة، وصدى وقراءة صحيحة لما يجرى فى مصر من تفاعلات، وهنا تأتى مسئولية الدولة القائد، ان تدير «الحراك» بأسس تضمن مشاركة الشباب بديمواقراطية مدنية حديثة وليست على أساس دينى وطائفى ـ كما كان يراد لها قبل 30 يونيو ـ أو طبقى ومالى وهو ما نحذر الانجراف إليه!

(وقد قيل في تفسير «نيوم» أنها من مقطعين، «نيو» أى جديد و«م » من مستقبل، وظنى أن «نيوم» ونوَّم جمع نائم ظن المتربصون بالمنطقة أنهم لن يصحوا أبداً)

وفى «الحياة الثانية للصحف» تجارب صحفية رائدة وبازغة قامت على أكتاف ما أطلق عليه جيل «العيال»، والحياة الثانية تعبير يطلق على أى «وصفة» لإصدار صحف جديدة أو إعادة اكتشاف نفسها للتعايش مع العصرالإلكترونى.. وقد تحدثت من قبل عن مشروع الاستاذ هيكل فى «الحياة الثانية» للأهرام عام 1958مع عدد كبير من رفقائه وتلامذته فوجدت أنه وازن بين العواجيز والشباب، واليوم لدى نموذج لصحافة أسسها «الشباب»، عن تجربة تأسيس صحيفة «الوفد» الجديد بعد30 سنة من موت «المصرى» صحيفة الوفد القديم .. تحدثت عنه مع أحد مؤسسيه الأستاذ عباس الطرابيلى الذى قال: المهم فى نجاح أى إصدار هو التفاهم والحماس بين فريق العمل، وقد عملت مع رئيس تحرير الوفد الجديد «مصطفى شردى» فى الأخبار ثم سافرنا معا لإصدار صحيفة الاتحاد الإماراتية، إلى أن قال لي: رشحنا مصطفي أمين لفؤاد باشا سراج الدين رئيس الوفد لرئاسة صحيفة الحزب الجديدة وطلب لقاءنا ومعنا جمال بدوى..وذهبنا للقائه وبعد التعارف بلحظة اتصل بمصطفى أمين أمامناغاضبا: إيه «يامصطفي بيك» كيف تختار لى عيال صغيرين لكى يقودوا أول تجربة صحفية حزبية يومية، كيف اختارهم ولدىَّ أحمد أبو الفتح آخر رئيس تحرير لصحيفة (المصرى) وله علاقات واسعة فى الداخل والخارج، والمخضرم عبد الحميد الإسلامبولي كبير محررى الأهرام، وجلال الحمامصي الذى يجمع بين الخبرة العملية فنيا وتحريريا وبين الخبرة الأكاديمية.. وعبد الحميد سرايا مدير الدسك المركزى بالأهرام ..و.. وأقطاب وفدية كُثُر، فقال له مصطفى أمين : اسمعهم، فسألنا الباشا كيف نغطى أخبار الحزب؟ قلنا له : 95% من المادة هي أخبار الناس والسياسة والمجتمع .. و5% فقط أخبار الحزب ورئيسه، فضرب (الباشا) المكتب بقبضة يده حتى كاد يكسر الزجاج وغضب بشدة ودفع فنجان القهوة، وقال: دا كلام فاضي، فقلت فى نفسى: سيطردنا، لكنه أضاف..واحد فى المائة فقط للحزب .. والباقي صحافة، فسر نجاح الحزب هو الصحيفة، وسر فشل أى صحيفة هو الحزب والنظام، قلنا فى نفس واحد: الحمد لله!

وفى نهاية الاجتماع قال فؤاد باشا: فيه شاب اسمه سعيد عبد الخالق كان ينشر أخبار الحزب في الأحرار ضموه اليكم كـ«مؤسسين» لنرد له الجميل ثم أضفنا معنا جلال عارف رغم أنه ناصرى، وعبد النبى عبد البارى سكرتيرا للتحرير، وانتقلنا من قصر فؤاد باشا الي شقة رئيس التحرير بالمهندسين، وعرضنا الماكيتات علي مصطفي أمين وجلال الحمامصي .. وكان اعتراض مصطفي أمين كثرة المقالات.. عكس فكرة فؤاد باشا «أننا صحيفة حزبية والقارئ يتوقع منها الموقف السياسىى ومنذ الغاء الأحزاب في عام1953حتي1984 صوتنا مكتوم ويجب أن تزيد المقالات لنفتح الباب أمام الوفديين للتعبير عن آرائهم، بشرط أن تكون لكل الآراء وقصيرة «لأن قارئ المطولات انتهى منذ زمن، ويضيف الطرابيلي :أن الدرس الثالث الذى قدمه لنا فؤاد باشا ـ أنه أخرج مقالا من مكتبه وقال لشردى: يامصطفي بك اشطب علي مقالى هذا بقلمك الأحمر واكتب عليه (غير صالح للنشر).. فتردد مصطفى وقال لماذا ياباشا؟.. قال له: كل وفدى سيريد أن تنشر مقاله، وعندما يشكون لي سأخرج لهم تأشيرتك وأقول لهم: رئيس التحرير ديكتاتور إنه رفض مقالاتي مثلكم، ففعل شردى ما أصر عليه رئيس الحزب، فقال فؤاد باشا وهو يودعنا انطلقوا يا ولاد على بركة الله!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف