الوفد
محمود زاهر
مراجعات - الوعد «الإلهي»!
مائة عام مرَّت على وعد «مَن لا يملك لمن لا يستحق».. وعدٌ مصبوغ بذكريات مريرة ممزوجة بالألم والوجع والضياع.. وعدٌ يحكي قصة التراجيديا الأكثر وجعًا وإيلامًا عبر التاريخ.
هذا الوعد يحكي مؤامرة فصل الروح عن الجسد، ومحاولة تغيير طبيعة الجغرافيا، وتشويه مسار التاريخ، بإحلال شعب من العصابات والمجرمين والغزاة، مكان شعب نبتت جذوره منذ آلاف السنين على هذه الأرض.
الثاني من نوفمبر 1917، ليس مجرد ذكرى لتعهد رسمي بريطاني قطعه (وزير الخارجية آنذاك) آرثر بلفور، نيابة عن حكومته، إلى شخصيات يهودية بريطانية بارزة، وإنما هو حدث متشعب استمرت آثاره دون انقطاع طوال عشرة عقود!
الآن.. مع اكتمال العام المائة على ذكرى إطلاق «وعد بلفور» المشؤوم، بمنح اليهود وطنًا في فلسطين على حساب أصحاب الأرض الأصليين الذين كانوا يشكلون حوالي 95% من تعداد السكان.. تستمر أبشع مأساة إنسانية على مر العصور.
ليس من قبيل المبالغة القول إن كلمة «بلفور» هي إحدى الكلمات السيئة الأكثر تداولًا في القاموس السياسي الشعبي «الفلسطيني والعربي والإسلامي»، على مدى قرن من الزمان، كونها أساس النكبة وضياع فلسطين، ومقدمة مهَّدت لخلق كيان صهيوني وُلد سفاحًا!!
إن وعد بلفور هو جريمة واضحة مكتملة الأركان وامتداد طبيعي لاتفاقية سايكس ـ بيكو، خصوصًا أن قوة تأثيره وامتداداته الزمنية مستمرة حتى هذه اللحظة، بعد أن خلَّف وراءه مأساة إنسانية وواقع لجوء كارثي لم يشهد له التاريخ مثيلًا، لتتوالى فصول المأساة في مؤتمر سان ريمو، ثم صك الانتداب، فقرار لجنة بيل، ومؤتمر بلتيمور، وصولًا إلى قرار التقسيم 181!
بكل أسف، منح وعد بلفور، فلسطين «وطنا قوميًا لليهود بغير حق».. وكلما حلَّت مجزرة أو نكبة جديدة بالفلسطينيين، أو اقترفت دولة الاحتلال «الإسرائيلي» المزيد من النكبات، نكتفي فقط بلعن هذا الوعد المشؤوم!
إن ذاكرة الفلسطينيين والعرب والمسلمين، تستحضر كل عام، في هذا اليوم، تلك المناخات والمؤامرات المستمرة، منذ إطلاق وعد بلفور، وبعده بثلاثين عامًا «قرار التقسيم»، وكلاهما نتاج بريطاني «كامل الدسم» لصالح المشروع الصهيوني!
نعتقد أن وعد بلفور ما زال يلاحقنا بتداعياته الكارثية حتى الآن، بل انضمت إليه المزيد من الوعود اللاحقة والباطلة أيضًا، لإنتاج مشهد سياسي وديموغرافي مختلفًا، للاعتراف بـ«يهودية إسرائيل»، وتهويد فلسطين إلى الأبد!
إن القوى العالمية الكبرى لا تدخر أي جهد لاستكمال ما تبقى من وعد بلفور، من خلال شطب القضية بحقوقها التاريخية والحضارية والتراثية، لصالح رواية صهيونية زائفة تستند إلى أسطورة زائفة أن «فلسطين هي أرض الميعاد لشعب الله المختار (اليهود) بناء على وعد إلهي»!
إنها رحلة مشؤومة منذ «بلفور» إلى التقسيم، إلى النكبة، إلى كامب ديفيد، إلى مدريد، مرورًا بأوسلو ووادي عربة وكامب ديفيد 2، ثم خريطة الطريق، وبعدها «فك الارتباط»، فوعد بوش لشارون، وصولًا إلى أوباما وترامب اللذين قدما وعدًا لـ«إسرائيل»، يمنحها اعترافًا متجددًا بأن «فلسطين هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي»!
إذن.. بعد قرن من الوعد المشؤوم، يمكن القول بكل ثقة، إن الحقوق العربية التاريخية في فلسطين، باتت تُختزل اليوم في تطبيع مجاني، ومفاوضات عقيمة «تهدر الوقت، وتساهم في تمدد وتكريس الاستعمار الاستيطاني، وتلغي حق العودة لملايين اللاجئين».. بل إن مدينة القدس، تتحول الآن إلى هوية صهيونية محاطة بأسوار وأساطير توراتية!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف