أليس غريباً ـ في بلدنا ـ أن نجفف البحيرات الطبيعية.. وننشيء المزارع السمكية الصناعية، وأين؟ على حواف نفس البحيرات.. وكأننا نتعمد ذلك لنسخر من أنفسنا.. والجريمة مستمرة..
إذ ليس شرطاً أن نجفف البحيرات الآن.. لأن إهمالنا لها وعدم الجدية في تطهيرها وفتح البواغيز لتجديد مياهها من البحر هو أخطر ما نرتكبه من جرائم.. والإهمال الذي يقتل هذه البحيرات، يتمثل أيضاً في استمرار إلقاء مياه الصرف الصحي والصرف الصناعي في هذه البحيرات.. بما فيهما من مواد صلبة حتى ارتفع قاع معظم هذه البحيرات ولم يعد يتجاوز متراً واحداً في أغلبها.. وبذلك يقل سطح المياه فيها.. فضلاً عن تلوثها..
<< وجريمة التجفيف مستمرة ونشطت أكثر بعد يوليو 1952، اذ اعتقدنا أننا يمكن أن نزيد مساحة الأرض الزراعية بتجفيف ما نستطيع من البحيرات اعتقادا أن الفدان الأخضر أكثر إيراداً من الفدان السمكي.. وعندما اكتشفنا خطأنا كنا قد فقدنا أكثر من نصف مساحة كل هذه البحيرات في أقل من نصف قرن. وتكون النتيجة قيامنا باستيراد ما يعوض ما فقدناه من أسماك هذه البحيرات. بل من البحيرات ما فقدناه تماماً وبذلك خرجت من باب توفير الأسماك ـ والبطارخ ـ إلى عصر الاستيراد.. وماتت وفي مقدمتها بحيرة قارون!! وأيضاً بحيرة الملاحة ـ وهي جزء من بحيرة مريوط ـ وكذلك بحيرة الملاحة «بورفؤاد» وكانت جزءاً من بحيرة المنزلة قسمتها قناة السويس عند حفرها.
<< وفي المقابل هناك الآن «صحوة سمكية» غير عادية ولاحظوا انتشار المزارع السمكية الهائلة ـ الشعبية التي أقامها الأهالي ـ على كل حواف بحيرة المنزلة.. وبالذات بين محافظتي دمياط وبورسعيد.. ثم هذا المشروع العملاق الذي ينفذه ويرعاه الرئيس السيسي شخصياً في القطاع الشمالي من القناة.. وكذلك ما يجري من معجزة سمكية في محافظة كفر الشيخ .
وربما هذا هو الجانب المضيء من هذه المزارع. فإذا كانت بحيراتنا فقدت أفضل ما كان بها من أسماك ـ درجة أولي ـ مثل الدنيس والوقار والبوري واللوت والثعابين «الحنشان» وأسماك موسى.. فان المزارع «الصناعية» الجديدة تقوم على زراعة هذه الأنواع الممتازة، سواء للتصدير أو للأسواق المحلية.
وبجانب كل الأصناف هناك زراعة الجمبري.. وليس في العالم كله شعب يعشق الجمبري.. مثل شعب مصر، المهووس بهذا الجمبري.
<< وإذا كانت الدولة رسميا توقفت عن جريمة تجفيف البحيرات.. فإن عليها أن «تخفف» من مشاكلها. أي بفتح المزيد من البواغيز لتجديد مياه هذه البحيرات. وإزالة السدود التي أقامتها مافيا البحيرات وأن تنطلق وبسرعة عمليات هذه وتلك لأن نوعية المياه هي التي تحدد نوعية الأسماك بها.. ومدى سلامتها للبشر.. ولاحظوا هنا جودة أسماك بحيرة البردويل بسبب حمايتها من كل أنواع مياه الصرف..
<< ومالياً نجد أن تكاليف تطهير وفتح البواغيز أقل كثيراً مما تتحمله الدولة من استيراد أنواع من الأسماك الشعبية.. حتى من تايلاند.. بل وأتمنى أن تتوسع عمليات الاستزراع لتضيف الأصناف الشعبية من البلطي والجرانة، والمكرونة بل وزراعة أسماك الماكريل رخيصة الثمن..
لعلنا بذلك نعوض ما ضاع علينا من سياسة التجفيف العرجاء التي سيطرت على عقول معظم مسئولينا منذ نصف قرن وأكثر..
أو على الأقل لنوقف السؤال: لماذا نجفف البحيرات.. ثم نتوسع في المزارع السمكية!!