المصريون
رضا محمد طه
مأزق التماهي مع الإنحدار
أتذكر ونحن أطفال، ومنذ بداية دخولنا المدرسة بالمرحلة الإبتدائية، كان التنافس بيننا علي أشده من أجل التفوق، بل لنكون في المقدمة، وإستمر ذلك الحماس في مراحل التعليم الأخري حتي مع تغيير المنافسين، لكن يبدو ان ذلك الحماس أصبح في إنحدار تدريجياً مع الأجيال اللاحقة، وأصبح التنافس يقتصرعلي نشاطات ومجالات أخري غير مجدية، ما جعلني أتذكر ما مضي موقف حدث لإم قريبة لنا مع إبنها بالصف الثالث الإبتدائي بإحدي مدارس القاهرة التجريبة حيث دخل عليها وهو يهلل فرحاً بأن المعلمة قد أجرت لهم الإختبار الشهري، إلا أن الإحباط الشديد كان من نصيب أمه عندما علمت منه بأنه حصل علي ثلاث درجات من عشرة، ولأنها تعلم تفوقه وذكاءه، وحينما بدأت بتأنيبه، رد عليها بكل ثقة قائلاً بأنه أفضل من زميله الذي يجلس بجواره والذي حصل علي درجة واحدة فقط، وكأن الأطفال يتأثرون بما يتبادله الكبار من أقوال وتبريرات عن قبول أي شيء مهما كان يتنافي مع المنطق السليم!!!.
ينسحب التعايش مع الأسوأ والتماهي مع الإنحدار والتردي في كل شيء بين البعض، حيث نجد الكثير من الناس يبررون فشل أبناءهم سواء التعليمي أو السلوكي أو حتي الأخلاقي، طالما هم في مستوي من الإنحدار أقل من أبناء جيرانهم أو أقربائهم، مثلاً لا يحاولون تقويم سلوك إبنهم التلميذ عندما يرونه أو يعلمون انه يدخن السجائر، تحت مبرر أنه أفضل من زملاءه الذين يدخنون او يتعاطون المخدرات، ولسان حالهم يقول المقولة التي يرددها المغلوبين علي أمرهم والعجزة "نصف العمي ولا العمي كله"، وذلك المفهوم التواكلي-البعيد عن الأخذ بالأسباب وإتقان العمل ثم التوكل علي الله، ومن ثم يتبني هؤلاء دائماً قبول أنصاف الحلول في كل شيء.
أصبحت ثقافة القبول ب"أي حاجة"والفهلوة هي السائدة، في التعليم مثلاً نقبل بنصف تربية وتعليم وبذلك يتخرج أنصاف متعلمين بأخلاق غاية في التدني، وبنصف إعلام، ونصف إصلاح أو إتقان في جميع خدماتنا، مباني أو غيرها من الخدمات الحكومية الاخري في ظل غياب محاسبة إهمال المقصر أو المخطأ الذي يصل إلي حد الجريمة، وكذلك نستسهل فيما ننتجه سواء للإستهلاك المحلي أو بغرض التصدير، فلا يدري الكثير أن من يقدم خدمة أو منتج بصورة متقنة تعكس جدية وثقافة القائمين عليها، مثلاً لا نجد مفهوم "أهو حاجة-منتج، محصول،...إلخ، والسلام" بين الناس خاصة في الدول التي يكفي وجود صنع فيها فنسعي جميعاً عند المقدرة لشراءها دون أدني تردد، والمستفيد-ويستحق-هو الأجنبي، وتبقي عقدة النصف مأزق تلازمنا، وتحول دون إنطلاقنا، يقول أحد الحكماء ناصحاً "لا تختر نصف حل، لا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، لا تتعلق بنصف أمل، ولا تعش نصف حياة".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف