الجمهورية
صلاح عطية
مع وعد بلفور .. التاريخ الأسود لبريطانيا مصرياً وعربياً
في تحدي صارخ لمشاعر العرب. ومشاعر الفلسطينيين علي وجه الخصوص. أعلنت بريطانيا أنها تعتزم الاحتفال بمرور مائة سنة علي صدور وعد بلفور.. وبدلاً من أن تعتذر بريطانيا عن الكوارث والآلام التي تسبب فيها هذا الوعد الباطل الظالم. والذي وصفه بحق الرئيس جمال عبدالناصر في رسالته إلي الرئيس الأمريكي جون كينيدي بأنه "وعد مَن لا يملك لمن لا يستحق".. فإنها تتحدي العرب جميعاً.. بدلاً من أن تنتهز بريطانيا هذه الفرصة لإجراء مصالحة ــ ولو شكلية ــ مع الشعوب العربية. والشعب الفلسطيني علي وجه الخصوص. جراء كل ما ارتكبته من جرائم في حق هذه الشعوب بهذا الوعد الباطل. بل وبحق سياستها الاستعمارية منذ القرن التاسع عشر. في أنحاء كثيرة من الوطن العربي. وعلي رأسها مصر بطبيعة الحال. التي وقفت بريطانيا ضدها منذ نهاية القرن الثامن عشر. ومطلع القرن التاسع عشر.. منذ حملتيها علي مصر.. ومنذ مواجهتها لمحمد علي. وسياستها المناوئة له.. ومنذ اتفاقيات تحجيم مصر وإعادة محمد علي بعد أن دق الجيش المصري أبواب اسطنبول.. ومنذ تآمرها علي قناة السويس.. وتآمرها علي تكبيل مصر بالديون أيام الخديو إسماعيل. وما يمكن أن نسميه عملية النصب علي مصر وشراء أسهم قناة السويس من الخديو إسماعيل بأبخس الأسعار. ثم استمرار التآمر حتي افتعال أحداث الإسكندرية وضرب المدينة دون وجه حق.. تمهيداً لكارثة احتلال مصر بالخديعة والخيانة ممن استطاعوا تجنيدهم من باشوات مصر وبدوها.. فضلاً عن حاكمها الخائن توفيق.. ثم كل ما مر بمصر من كوارث طوال استعمارهم الذي تجاوز السبعين عاماً.. حتي استطاع جمال عبدالناصر أن يخلعهم من هذا الوطن. بعد ملحمة كفاح المصريين ضدهم التي استمرت علي طوال أيام الاحتلال.. وتوجت بالكفاح المسلح ضدهم في مدن قناة السويس.. ولكنهم ما كادوا يخرجون في يوليو 1956 حتي حاولوا العودة في 29 أكتوبر 1956 لتقترن هذه الذكري السيئة في تاريخهم معنا. بذكري وعد بلفور بعد ذلك بأربعة أيام.
ولن نستطرد كثيراً في التاريخ الأسود لبريطانيا مع مصر. يكفي أن نصل إلي موقفها الظالم مع مصر.. وتبنيها لجماعة الإخوان الإرهابية.. منذ مولدها في عام 1928 لتكون السلاح الذي يشتت شمل هذه الأمة. وينشر بذور التطرف والإرهاب.. ويكفي مساندتها لها واحتضانهم لقياداتها ومطاريدها.. وإتاحة الفرصة لهم للعمل والانتشار والتآمر أيضاً من لندن.. ثم أخيراً وليس آخراً. موقفهم غير العادل وغير المنصف.. منذ سقوط الطائرة الروسية.. وحجبها لسياحها عنا دون مبرر.. وحتي الآن.. يكفي هذا تاريخاً أسود.. وها هي تسيء إلي مشاعر كل العرب. والمصريين بطبيعة الحال. باعتزامها الاحتفال بمئوية وعد بلفور.. الذي منح به وزير خارجية بريطانيا في 2 نوفمبر 1917 حق إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.. ويقول ذلك الوعد: "إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلي إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وستبذل أحسن جهودها لتحقيق هذا الهدف. علي أن يكون مفهوماً ألا يكون لهذا مساس بالحقوق المدنية والدينية لسكان البلاد الأصليين".
ورغم صدور الوعد. إلا أنه لم يرض اليهود تماماً.. لسببين: أولهما ما جاء فيه من النص علي إنشاء وطن قومي.. وكانوا يريدون عبارة "إعادة إنشاء وطن قومي لليهود".. تأكيداً لادعائهم بأنه كان لهم وطن قومي لليهود في فلسطين قبل ألفي سنة.. كما أنهم لم يكونوا يريدون أي إشارة إلي سكان البلاد الأصليين.. ومع ذلك فقد استغلوا وعد بلفور كأسوأ ما يكون الاستغلال ضد أصحاب البلاد الأصليين.. وشرعوا في ترتيب أوضاعهم الجديدة طبقاً لهذا الوعد.
وعندما انعقد مؤتمر الصلح في باريس في عام 1919. دُعي إليه زعماء الصهيونية لشرح قضيتهم التي أصبحت تحظي بعطف الحلفاء وتأييدهم.. واتفق الحلفاء في مؤتمر "سان ريمو" في عام 1920 علي تأييد الصهيونية. والموافقة علي وعد بلفور. ومساعدة اليهود علي إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين.
وكانت الصهيونية قد شرعت في شراء الأراضي في فلسطين. وفي إقامة المستعمرات عليها. منذ دخلت الجيوش البريطانية إليها. وساندت الحركة الصهيونية بريطانيا. حتي صدر قرار عُصبة الأمم في 24 يوليو 1923 بوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني. ونص القرار علي أن تضع حكومة الانتداب للبلاد في حالة سياسية واقتصادية واجتماعية تساعد علي إقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين.وعملت بريطانيا في هذا الإطار بكل قوتها.. وتدفق المهاجرون اليهود من ألمانيا ومن غيرها من بلاد أوروبا إلي فلسطين.. ووصل عددعم في عام 1929 إلي 400 ألف يهودي.. وقامت الثورة الفلسطينية ضد الإنجليز. والتي استمرت حتي عام 1939.. ورغم اضطرار بريطانيا إلي تحديد هجرة اليهود. إلا أنهم بدأوا عمليات تهريب كبري لليهود إلي فلسطين. أوصلت عددهم إلي 800 ألف مهاجر.. وانتقلت الصهيونية إلي مرحلة أخري من مراحل تحقيق حلمها الكبير.. حيث عقدت مؤتمراً في عام 1942 في نيويورك في فندق بلتيمور. وأصدرت قراراً اشتهر باسم "قرار بلتيمور" يطالب بإقامة دولة يهودية في فلسطين.
واستمرت جهود الحركة الصهيونية لتنفيذ هذا القرار.. ونجحت في الوصول إلي قرار من الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في 29 نوفمبر عام 1947.. لتدخل مأساة فلسطين مرحلة أخري من ظلم المجتمع الدولي.. ومساعدته في سرقة وطن من أهله. وتحويله إلي لاجئين.. بينما شُذاذ الآفاق من حدب وصوب يتدفقون ليحتلوا هذا الوطن.. ويطردون أهله.
وربما وجدنا في مناسبة 29 نوفمبر 1947.. مرور 70 سنة علي قرار التقسيم.. فرصة أخري للحديث عن هذه المأساة التي نعيشها كلنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف