المصرى اليوم
هانى السلامونى
روشتة صينية لملف حقوق الإنسان في مصر
تبلغ مساحة الصين 9.6 مليون كيلومتر مربع ويسكنها حوالى 1.5 مليار إنسان (87% من السكان يعيشون بالمناطق الريفية) وتعتبر التجربة الصينية نموذجاً غاية في الإبداع في مجال التنمية حيث عانت الصين قبل عام 1978 من البطالة والفقر (أكثر من 600 مليون صينى كانوا يعيشون على أقل من دولار أمريكي واحد في اليوم) وانهيار البنى التحتية والفساد والإسراف الحكومى، في عام 1978 بدأ الرئيس الصيني دينج شياو بينج إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية خاصة فيما يتعلق بالفساد حيث طرد أكثر من 660 ألف مسؤول حزبي وحكومي بسبب اتهامهم في قضايا فساد وحوكم 24 ألفا منهم أمام القضاء، ركّز دينغ على تطوير الإنتاج في الصين وتحسين مستوى الشعب المادي والثقافي بالتدريج من خلال استراتيجية مقسّمة على ثلاث مراحل، كان هدف المرحلة الأولى (1981-1990) حل مشكلة الغذاء، أما المرحلة الثانية (1990-2000) فاستهدفت تحقيق الرفاهية للمواطن، أما المرحلة الثالثة والتى تنتهى في العام 2049 فتهدف إلى الوصول بالصين إلى مصاف الدول المتقدمة من خلال تحديث أربع قطاعات رئيسية هي الزراعة والصناعة والتكنولوجيا والدفاع الوطنى.

التجربة التنموية الصينية اتسمت بالجرأة والمرونة ومزجت ما بين العمل الجاد والابتكار وما بين الصرامة والإبداع، فعلى سبيل المثال قامت الحكومة الصينية بخفض الاستثمار في الصناعات الثقيلة وخصصت الفائض لرفع الأسعار التي تدفعها الدولة لشراء محاصيل المزارعين (بدأت التنمية في الصين بالريف وبعد 10 سنوات بدأت المرحلة الثانية بالتنمية في المدن)، مما ساعد على خفض الفجوة الغذائية وتوفير مزيد من فرص العمل في القطاع الزراعى، كما زاد عدد المشروعات الزراعية الصغيرة والتى كانت الأساس لسوق حرة للمنتجات الريفية (على الرغم من تمسك الصين بالنظام الاشتراكى إلا أن هذا لم يمنعها من استخدام بعض آليات الاقتصاد الحر)، كما تم اعتماد سياسات زراعية جديدة تسمح بإلغاء الحقول الجماعية واستبدلتها بنظام يسمح للمزارعين بتقسيم الأراضي وزراعتها بأنفسهم بشكل فردي أو عائلي أو تعاونى (جمعيات تعاونية) بأسلوب الإيجار أو حق الانتفاع، مما أدى إلى طفرة في الإنتاج الزراعي ساهم في تدفق مضطرد في الاستثمارات المحلية في قطاع تربية الدواجن وإنتاج الألبان والإنتاج الحيوانى، مما ساهم في فتح الباب أمام قطاعات أخرى لم تكن متاحة من قبل في قطاعات الصيد البحرى والنهرى وإنشاء مزارع للأسماك والجمبرى.

وفى عام 1986 أقر البرلمان الصينى مشروعا طموحا لتطوير التعليم من خلال تحويل التعليم الأساسى إلى إلزامي وتغيير المناهج التعليمية وطرق التدريس ودمج استخدام الكمبيوتر في العملية التعليمية بحيث يكون متاحاً لاستخدام الطلبة خلال مراحل التعليم المختلفة، كما تم إنشاء مؤسسات تعليمية متخصصة لإعداد المعلمين بهدف تدريبهم سنوياً على استخدام التكنولوجيا الحديثة وتطوير طرق حديثة للتدريس بهدف تغيير العقلية من تعليم موجّه نحو امتحان القبول إلى عقول قادرة على تطوير الذات، أما بالنسبة للتعليم العالى فقد تم انتهاج سياسات جديدة بدأت بإنهاء سيطرة اللجنة التعليمية الحكومية على الجامعات والمعاهد العليا لإصلاح نظامها التعليمي وربط البحث العلمي بالتنمية المستدامة واحتياجات المجتمع الصيني، وسمحت للكليات والمعاهد بالاندماج مع الشركات الكبرى ومؤسسات المجتمع المدنى لربط المناهج الدراسية والبحث العلمي باحتياجات الأسواق وتطوير المنتجات، وبذلك أوجدت الجامعات والمعاهد لنفسها دعماً مالياً بالإضافة إلى ما تتلقاه من دعم مالي حكومى، في عام 2005 خصصت الصين 1.5% من إجمالى الناتج الوطني للبحث العلمى والتطوير لتحتل المركز الأول عالمياً وتزيح إسرائيل للمركز الثانى في الإنفاق على البحث العلمى بغرض تعزيز قدرتها الإبداعية وتسريع تقدمها العلمى والتكنولوجي.

كما قامت الصين بتحويل المناطق الساحلية ومناطق أحواض الأنهار الرئيسية إلى مناطق صناعية واقتصادية، ونجحت في جذب الاستثمار الأجنبى لهذه المناطق (من عام 1979 إلى عام 2010 وصل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى حوالى 1048.38 مليار دولار) وازداد حجم الصادرات من 20.6 مليار دولار عام 1978 إلى 2974 مليار دولار عام 2010، كما قامت الصين بتخفيض الرسوم الجمركية تدريجيا لتصل في متوسطها إلى 9.8%، كما أن توفّر العمالة الفنية المدربة مثّل ميزة نسبيه للصين ساعدتها على تخفيض تكلفة منتجاتها ورفع قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية.

وحققت الصين نجاحا ملهما في تشجيع مشروعات ريادة الأعمال من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة والأسر المنتجة ومنح المشروعات الناشئة (Start up Business) قروضا طويلة الأجل بفوائد لا تتجاوز 3% مما ساهم في تحويل المنازل إلى مصانع صغيرة وساعد على خفض العجز ونسبة البطالة وارتفاع معدلات الإنتاج والصادرات، كما شجعت الصين «حاضنات الأعمال» العملاقة من خلال تبنى الشركات الكبرى للمشروعات الصغيرة بالدعم والتمويل والتسويق مقدمة نموذجاً فريداً في تطوير الأعمال الناشئة التي باتت القاطرة الرئيسية للاقتصاد.

التجربة التنموية الصينية فريدة في نجاحها، فالصين نجحت في تشغيل الأيدي العاملة وفق خطط ذكية طويلة المدى وطبقاً لاحتياجات سوق العمل، وتؤكد الإحصائيات أنها نجحت في تخليص 700 مليون من سكانها من الفقر والبطالة، وحسنت مستوى الرعاية الصحية بالنسبة لهم، وصاروا يسكنون في منازل صحية على مدار الـ35 سنه الماضية، حيث انخفضت نسبة من هم تحت خط الفقر من 61% عام 1990 إلى أقل من 30% عام 2014، وتستهدف الحكومة الصينية الوصول إلى معدلات فقر صفرية لفقراء الريف بحلول عام 2020.

النجاح الحقيقى للصين كان في إصرارها على الحفاظ على قدرة الدولة على التدخل في إدارة وتوجيه الاقتصاد، مع السماح في نفس الوقت باستخدام آليات السوق الحرة لتتكامل مع رؤية الدولة الاقتصادية (الملكية العامة 30%، الملكية الجماعية 40%، المشروعات الاستثمارية والخاصة 30%) مما سمح في النهاية بربط الاقتصاد الصينى بالاقتصاد العالمي وانضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية.

التقدم الفكرى والثقافى والحضارى والإنسانى يبدأ من الدولة وينتهى بالمواطن وهذا ما تشير له التجرية التنموية الصينية، التي أثبتت من خلال تجربتها وبما لا يدع مجالاً للشك أن عدد السكان ليس عائقا أمام التقدم والنمو وأن الثروة البشرية هي أغلى ما تمتلكه الشعوب، وهو عكس ما يحدث في مصر، وكما أشار الرئيس في باريس لا يوجد بها تعليم جيد ولا رعاية صحية جيدة ولا حق توظيف وتشغيل وإسكان جيد ناهيك عن حقوق سياسية غير قابلة للتزوير منذ عام 1952 وهو ما يفتح بابا للتساؤل عن أسباب فشل النظام في توفير إدارة حكومية جيدة مثيلة للنموذج الصينى تستطيع قيادة مصر نحو تنمية مستدامة حقيقية تستحقها، 65 عاما من كلام وأحلام رؤساء ومسؤولين حكموا مصر ملأوا بها الصحف ووسائل الإعلام عن آمال وطموحات تخرج اقتصادنا من أزمته وتبشر المواطن بأن الخروج من عنق الزجاجة بات قاب قوسين أو أدنى، وفى النهاية كانت كل الإصلاحات الاقتصادية التي صدعونا بها مجرد سراب، في نفس الوقت نجحت الصين وبنظام سياسى مشابه للنظام المصرى وظروف اقتصادية أسوأ، ورغم المؤامرات الخارجية وحروب الجيلين الرابع والخامس التي واجهت الصين، ورغم أن هونج كونج وجزيرة مكاو كانتا مستعمرتين إلا أنها نجحت بالتخطيط الاستراتيجى والتنمية المستدامة في إطعام 1.5 مليار إنسان وتحقيق تنمية مستدامة وتحرير ترابها الوطنى ورفاهية المواطن الصينى في نفس الوقت بدون أن تتنازل عن شبر من أراضيها..!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف