جلاء جاب اللة
أين ذهب تجديد الخطاب الديني ؟
هل خرج "تجديد الخطاب الديني".. ولم يعد؟ فجأة توقف الحديث عن التجديد وكأنه كان مجرد موضة واحتفالية وانتهت في حين أن الحقيقة هي العكس تماماً.. فالتجديد فريضة دينية فتح بابها سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم - وبالتالي فليس من حق أحد إغلاقه.. والتجديد فريضة مجتمعية ليس من حق أحد أن يتجاهلها.
وعندما طالب الرئيس عبدالفتاح السيسي بالتجديد لم يكن يقصد أن تقوم عاصفة التجديد ثم تهدأ بل كانت رؤيته الواضحة هي أن جرائم عديدة تحدث باسم الدين وباسم الجمود الذي أصاب رؤي عديدة فقهية ومجتمعية وثقافية وآن الأوان لأن نتخلص من هذا الجمود لنعود إلي صحيح الدين وصحيح الرؤي الثقافية والاجتماعية التي تتوافق مع الدين.
وإذا كان الجمود قد أصاب الدين في رؤي وآراء فردية تعصب لها البعض وكلها آراء جاءت بعد عصر النبي - صلي الله عليه وسلم - وعصر الصحابة وجاءت من خلال تفسير أو تأويل فردي أو اعتماد علي رؤية فردية لمعني أو تفسير ليس صحيحاً أو قد يكون صحيحاً في حال ما أو وقت ما أو مكان ما.. وهو بالضرورة.. ليس من ثوابت الدين والمعلوم عنه بالضرورة فإن من الضرورة الآن أن يكون هناك اجتهاد جماعي لإحياء وتجديد هذا الجمود.
وشريعة الإسلام كما يري ابن القيم - رحمه الله - عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها.. وهو بذلك يعني أن أي أمر أو أي مسألة خرجت عن العدل أو حادت عن الرحمة أو غابت عن المصلحة أو كانت ضد الحكمة فهي ليست من الشريعة.. وبالتالي فإن أي أقوال "داعشية" الآن تسيء إلي عدالة الإسلام وتحض علي عدم الرحمة بالناس والحيوان والنبات أو كانت ضد صالح ومصلحة المسلمين فهي بالضرورة ضد الحكمة التي هي في الأساس ضالة المؤمن أينما وجدها عمل بها.. وبالتالي فإنها ضد الشريعة.
لا أعرف مبرراً منطقياً لغياب أو تجمد الجهود في مسار التجديد لأن الإسلام نفسه يدعونا إلي العقل والتدبر والحكمة والعمل ويتساءل القرآن في كثير من الآيات قائلاً: "أفلا يتدبرون".. "أفلا يعقلون".. وغيرها من آيات الحرص علي إعمال العقل والفكر والتدبر والعمل الصالح.
ومنذ العصور الأولي للإسلام كان "الاجتهاد" وهو المصطلح الفقهي المقابل للمصطلح الإعلامي "تجديد الخطاب الديني".. ضرورة يعمل عليها فقهاء المسلمين ورجاله الثقات منذ أن اجتهد عمر بن الخطاب اجتهاداته الإصلاحية في عام المجاعة.. وغيرها من الاجتهادات الفقهية والتي صنفها البعض تحت مسمي الحديث الشريف "من سن سنة طيبة فله أجرها وأجر من عمل بها إلي يوم القيامة".. وإذا كان الاجتهاد ضرورياً في كل عصر فإنه في عصرنا الحالي أكثر ضرورة وأعظم أثراً وأكثر أهمية.. فقد تغيرت الحياة تماماً عما كان عليه الناس من قبل.. وأحدثت ثورة التكنولوجيا تغيراً وتطوراً جذرياً في حياة المسلمين شكلاً وروحاً وعملاً فأصبح الاجتهاد ضرورة بل فريضة.
والتجديد أو الاجتهاد ليس تطويراً في الدين بل إحياء للمفاهيم والعلوم.. والإحياء هو التجديد بالمعني المجتمعي لأن الحياة كلها منذ أن خلق الله الانسان لها هدف وهي عبادة الله وإعمار الأرض وعمارة الأرض تعني صالح الانسان وليس الإضرار به ومن هنا اهتم العلماء بمقاصد الشريعة الإسلامية.. لأن المقاصد تحدد الهدف ومن منطلق الهدف تتحدد آليات التطوير والتجديد الذي هو في حقيقته إحياء للعلم الرباني.
يقول الله سبحانه وتعالي: "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدي ورحمة وبشري للمسلمين" فالكتاب بين كل شيء.. وهو أيضا هدي للمسلمين كما أنه رحمة للمسلمين وبشري لهم وبالتالي فالمقصود به أن يخرج الناس من حالة القلق والارتباك والحرب والعداء إلي حالة الطمأنينة والرضا والسلام والمحبة فيعيش الناس في سكينة ورضا واطمئنان وهذه هي حقيقة الدين ذلك أن الله سبحانه وتعالي في آية أخري يؤكد انه لا يريد بالناس أو بالمؤمنين إلا اليسر يقول سبحانه: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر".. وهذا يعني أن من يريد العسر والضيق والألم بالناس فهو لا يطبق الشريعة وعليه أن يعيد حساباته ويفكر من جديد لأنه من المستحيل أن يتوافق العسر مع صحيح الدين أو يتنافر اليسر مع الدين الصحيح.
قد يسأل سائل: وما هو مبرر الحديث اليوم عن تجديد الخطاب الديني بعد أن هدأ الحديث عنه منذ فترة؟
والاجابة ببساطة أن التجديد فريضة وليس مرتبطا بدعوة الرئيس وان كانت دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الديني كانت حافزاً ودافعاً إيجابياً لبدء الحوار من أجل تطبيق هذه الفريضة وعندما حدثت حادثة الواحات الإرهابية الأخيرة بدأ الحوار فيما يفعله ويعتقده هؤلاء الإرهابيون وخاصة أنه قد تكشفت حقائق علاقاتهم بالصهيونية العالمية والاستعمار الجديد الكوني وتكشف لدي الجميع حقيقة أن هذا الإرهاب ليس إلا أداة من أدوات تقسيم المنطقة والإساءة للدين الإسلامي الذي هو في حقيقته بريء منهم تماماً.. وكان الحوار هذا دافعاً للتساؤل: إلي أين وصل العمل في تجديد الخطاب الديني؟ وأين ذهبت الجهود التي بذلت؟
هذه التساؤلات جعلتني أتساءل مع المتسائلين لأنه إذا لم تجدد "مصر الأزهر" وتبدأ في إحياء علوم الدين ومقاصد الشريعة فلن يقوم بهذا العمل أحد.. فما بالك وأن الرئيس بنفسه مهتم بتلك القضية؟
قد لا يعرف الكثيرون أن عمارة الأرض وحفظ النظام وتعايش الناس وقيام العدل والإصلاح.. وإعمال العقل وتحقيق منافع الناس والتسهيل عليهم.. كل هذا هو حقيقة الدين في مفهومه الشامل ولهذا المفهوم جناحان الأول هو إعمار الأرض والثاني في بناء الانسان السليم.. والجناحان يعبر عنهما في مصطلح التنمية المستدامة وهذه التنمية في مفهومها الشامل هي حقيقة الدين.. مقصد أساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية.. يكفي مثلاً أن نذكر حديث رسول الله - صلي الله عليه وسلم - "إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" لنعرف قيمة إعمار الأرض وقيمة أن نهتم بعمل الانسان للخير فالتعليم والتدريب والصقل والاهتمام بالموهبة والاهتمام بالأخلاق وحسن الخلق والتربية القويمة تعني بناء الانسان الواعي المسئول وهو مقصد أساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية.. فالوعي مثلاً مقصد أساسي لبناء الانسان لذلك كان الإسلام حريصا علي خلق حالة وعي كامل لدي الفرد ولدي المجتمع ثم اهتم الإسلام بتمكين الانسان من إعمار الأرض وحمايتها والمحافظة عليها وليس تدميرها أو الإساءة للآخر أو الاعتداء عليه مهما كانت مبررات هذا التدمير أو الاعتداء أو تلك الإساءات.
ومفهوم التجديد الذي هو هدفنا بمعني إحياء الدين أو إحياء الشريعة لابد أن نهتم بمقاصد الأحكام الشرعية.. وكذلك المستجدات في الحياة.
ولابد ان نعترف انه حدثت كبوة للمسلمين ومازالت هناك حالة من الألم والقلق والتوتر والخصام يعيشها المسلمون وصلت إلي حالة من العداء للإسلام أو الخوف منه أو بالمصطلح الحديث "الإسلامو فوبيا".. وهي تعبيرات كنا نحن الذين صدرناها للعالم ولم نصدر لهم ما يدحض المزاعم المسيئة للإسلام في حين أن الإسلام بريء تماماً.. وأن بعض المسلمين هم الذين يسيئون إليه سواء بفهم خاطئ أو بدوافع خارجية ذاتية كتقليد بعض المستشرقين الذين كان هدفهم الإساءة للإسلام أو من خلال استخدامهم بقصد أو بدون قصد من قبل الصهيونية العالمية التي عاشت في القرون الأخيرة وهدفها الأول هو الإساءة للإسلام والمسلمين.
وأياً كان الدافع أو السبب فإن هناك نتيجة حدثت وهي كبوة في المفهوم.. وبالتالي فقد بات ضرورياً أن ننهض من هذه الكبوة من خلال التجديد لأن واقع الشريعة الإسلامية يدعونا ويدفعنا للتجديد والإحياء لأن كثيراً من الأحكام تختلف باختلاف الزمان بل وأحيانا المكان كما فعل الإمام الشافعي عندما غير كتابه الفقهي "الأم" في مصر عما كتبه في العراق.. وقد يتغير الناس بتغير الزمان فتحدث مفاسد جديدة أو تحدث ضرورة لم تكن موجودة من قبل مما يؤدي إلي المشقة علي المسلم والإسلام يدعونا لليسر وليس العسر وبالتالي صار ضرورياً أن يتم التجديد والإحياء من منطلق مقاصد الشريعة الإسلامية.
"وللحوار بقية إن شاء الله".
همس الروح
** ماتت القلوب.. فماتت الضحكة.. وماتت السعادة.
** أيها الحب كم من جرائم ترتكب باسمك؟
** الحب ليس جريمة.. بل المجرمون هم من لا يفهمون الحب.
** كيف تريد أن يسامحك الله وأنت لا تريد أن تسامح الآخرين!!
** قد اخطئ في حقك.. فابحث معي عن عذر لأني مازلت احترمك..!!