خلافاً للمشاهد التى سادت شوارع «كتالونيا» خلال الأيام الماضية مؤيدة لانفصال الإقليم عن إسبانيا، فوجئنا يوم الأحد الماضى بمظاهرة مليونية تجتاح شوارع برشلونة تعلن رفضها لفكرة الانفصال، القوام الأساسى للمظاهرة تمثل فى الكتلة التى كانت تراقب -وهى ساكنة- استفتاء الانفصال وما أعقبه من خطوات كان أبرزها قرار البرلمان الكتالونى بالاستقلال عن إسبانيا. فى لحظة غير متوقعة قررت هذه الكتلة التحرك والوقوف ضد دعاة الانفصال، وطالبت بانتخاب قيادات بديلة لتلك القيادات التى تولت إدارة المشهد حتى وصل إلى النتيجة التى وصل إليها. مؤشرات عديدة تؤكد أن انفصال إقليم كتالونيا أصبح ذكرى، يمكن أن تنضم إلى ذكرى انفصال إقليم «كردستان» عن العراق. القول الفصل فى كتالونيا جاء بتحرك الكتلة الصامتة، وفشل المحاولة الكردية أتى بسبب إحباط هذه الكتلة.
مفارقة عجيبة فى الأدوار التى لعبتها «الكتلة الصامتة» فى الحالتين الكتالونية والكردية. فى الأولى كان التحرك هو كلمة السر، وفى الثانية كان الصمت هو المقدمة التى أفضت إلى النتيجة. تحركت الكتلة فى كتالونيا فحسمت الأمر لصالحها، وساندها فى ذلك رفض غربى للقرار الذى اتخذه البرلمان الكتالونى بالانفصال، وقرارات بالإطاحة بالقيادات التى تحكم الإقليم اتخذتها الحكومة المركزية فى إسبانيا. وصمتت هذه الكتلة التى كانت تتراقص حول مسعود بارزانى، رافعة العلمين الكردى والإسرائيلى، فتسيدت الحكومة المركزية فى بغداد المشهد. تحرك الكتلة الصامتة فى كتالونيا كان أساسه «حسبة مصالح» لم يستوعبها دعاة القومية والانفصال، وصمت الكتلة الصامتة فى كردستان كان مرده حالة الإحباط التى أصابهم بها مشهد توغل قوات الجيش العراقى والحشد الشعبى فى كركوك وانسحاب قوات «البشمركة» أمامه، وعمّق من الإحباط المشهد المتكرر لأصحاب النكسات، والذى خرج فيه «بارزانى» يعلن التنحى عن رئاسة الإقليم، وعدم ترشحه فى أى انتخابات مقبلة.
الكتلة الصامتة مفتاح مهم من مفاتيح الحسم فى اللحظات الحرجة. الشارع داخل أى مجتمع قد يعلو فيه صوت المحتجين أو المؤيدين لأمر ما خلال فترة زمنية معينة، وبغض النظر عن الطرف الأعلى صوتاً تبقى الكتلة الصامتة كامنة ومترقبة نتائج ما يحدث، فإذا جاءت النتائج متوافقة مع توجهاتها واصلت الصمت، وإن كانت الأخرى تأهبت لكى تحسم الواقع على الأرض. الترقب والانتظار سمة أساسية من سمات الكتلة الصامتة، قد ينخدع البعض فيظن أن سكوتها استسلام، وأن صمتها رضا، ينظر إليها فى حالة السكون فيقول إنها لن تتحرك أبداً، بل قد يشتط ويقول إنها أصيبت بحالة موات. المسألة لا تعدو خداع البصر. فواقع الحال أن قشرة الثلج الهادئة الجامدة تخفى أسفلها ماءً يمور، وأمواجاً تتلاطم، وفى لحظة غير متوقعة ينطلق ما هو أسفل ليطفو أعلى السطح. ذلك ببساطة ما حدث فى كتالونيا، عندما ظلت الكتلة الصامتة تراقب ما يحدث، وظن البعض أنها راضية، وفى لحظة انقلب المشهد رأساً على عقب، فتحركت بالملايين لتغير الواقع على الأرض، وهو أيضاً ما حدث بشكل نقيض فى إقليم كردستان، عندما انطلقت الكتلة الصامتة فى حلمها، وصدقت كلام «بارزانى» ومسئولى البشمركة، لتستيقظ على قوات الجيش العراقى والحشد الشعبى وهى تزمجر فوق رأسها، فما كان منها إلا الانسحاب من المشهد الذى تصدره «الكذّاب»!