جمال سلطان
وثائق بن لادن تكشف المستور عن الأسد والإيرانيين
أخيرا ، أزاحت المخابرات الأمريكية الستار عن تلال الوثائق التي حصلت عليها من مقر إقامة زعيم تنظيم القاعدة الشهير أسامة بن لادن بعد تصفيته في باكستان ، مئات الآلاف من الوثائق أصبحت متاحة للاطلاع أمام الناس منذ أول أمس ، وبعضها شرائط فيديو وبعضها مكاتبات وبعضها نصوص تؤصل للفكر الجهادي وبعضها حوارات ، وكان من أهم ما كشف النقاب عنه في تلك الوثائق الصلات التي كانت تربط قيادات تنظيم القاعدة بإيران ، خاصة بعد الضربة العنيفة التي تلقاها التنظيم في أفغانستان ، حيث هرب كثير من قياداته وأسرهم إلى إيران التي استغلت الفرصة ، واستوعبتهم وقامت بتوفير المسكن والملاذات الآمنة لهم ، ثم بدأت الاستخبارات الإيرانية في نسج خيوط التعامل مع التنظيم ، وحسب الوثائق ، عرضت عليهم الدعم المالي والعسكري وتوفير وثائق السفر والتأشيرات وأيضا توفير معسكر للتدريب في جنوب لبنان يشرف عليه حزب الله .
الوثائق كنز معرفي حقيقي ، ويكشف عن أن الولايات المتحدة كانت على علم كاف بالعلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة منذ سنوات طويلة ، بدليل أن كل تلك الوثائق السرية كانت بحوزتها ، ولكنها كانت تتكتم على ذلك لأسباب لم يكشف عنها النقاب ، ولم يتم الحديث عنها إلا مؤخرا ، بعد أن "انقلب" الأمريكان على الإيرانيين وبعد أن انتهت الحاجة لميليشيات إيران في العراق وسوريا غالبا .
علاقة إيران بتنظيم القاعدة كانت معروفة لنا هنا في مصر بوضوح كاف ، خاصة بعد الإفراج عن عدد كبير من قادة الجماعات الإسلامية من السجون في أعقاب ثورة يناير ، بقرارات من المشير محمد حسين طنطاوي وقتها ، وتحدث بعض هؤلاء القادة عن هذا الجانب "المظلم" من خبايا العمل الاستخباراتي مع التنظيمات المتشددة والعلاقات مع إيران وأيضا مع سوريا بشار الأسد ، والمؤكد أن الجهات الأمنية المصرية كانت لديها تفاصيل كاملة ، من التحقيق مع هؤلاء القادة المهمين والذين حصلت عليهم من عدة جهات أجنبية قامت بتسليمهم ، وأخضعوا للتحقيق ، وقالوا كل شيء .
وثائق بن لادن كشفت عن أن الإيرانيين كانوا يوظفون تنظيم القاعدة لملاعبة الأمريكيين في الخليج ، وطلبوا منهم بوضوح تنفيذ عمليات إرهابية ضد المصالح الأمريكية في السعودية والخليج العربي ، وبهذا تحصل إيران على فائدتين ، الأولى تشويه الإسلام السني بصفته يمثل التنظيمات الإرهابية التي تفجر وتروع العالم ، والثانية الضغط على الأمريكيين بورقة تلك التنظيمات للقبول بالتنسيق معهم في العراق وسوريا وتقاسم المصالح ، رغم أي خلاف سياسي أو استراتيجي بين الطرفين ، وبأمانة كاملة ، فقد نجح الإيرنيون في تحقيق الهدفين بنسبة كبيرة جدا .
وثائق بن لادن المنشورة ، أعادت التذكير بالتقارير الموثقة التي نشرت سابقا عن علاقات المخابرات السورية بتنظيم القاعدة ثم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في العراق ، وكيف كان رئيس الاستخبارات السورية علي مملوك ينسق الاجتماعات والخطط مع قادة تلك التنظيمات في دمشق ويوفر لهم المال والسلاح والذخائر والملاذات الآمنة وطرق الوصول إلى العراق ، من أجل إرباك الأمريكيين هناك واستنزافهم وشغلهم عن الملف السوري ، وكانت صحيفة الجارديان البريطانية قد نشرت تحقيقا مطولا حكى فيه بالتفاصيل تلك الوقائع الدامغة ، والتي كانت سببا في خصومة قديمة بين رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وبشار الأسد وانتهت إلى طرد السفراء من كلا العاصمتين ، قبل أن تتفجر ثورة سوريا وتتغير المعادلات عندما احتاج بشار إلى ميليشيات عراقية وإيرانية للسيطرة على انشقاقات الجيش السوري وارتدادات التنظيمات المتشددة إلى الداخل السوري نفسه .
https://www.theguardian.com/world/2014/dec/12/-sp-isis-long-read-in-arabic
وكما فعل الإيرانيون ، يحاول بشار الأسد أن يقدم نفسه الآن بوصفه المحارب للإرهاب ، والذي يخوض المعركة ضد الإرهاب نيابة عن العالم ، لكن العالم يعرف كل شيء الآن ، ويعرف أن تلك التنظيمات كانت صناعة الاستخبارات السورية ، وأن الدعم الأساس لتطويرها وتسمينها وتفعيلها كان يتولاه رجل بشار الأسد القوي "علي مملوك" ، ولما تفجرت الثورة السورية ، أراد بشار أن يستفيد من "استثماراته" في تلك التنظيمات ، فسلمها بعض المناطق بسهولة غريبة ووجهها لسحق القوى المعارضة له ، فكانت أغلب حروب تنظيم داعش ـ على سبيل المثال ـ ضد فصائل الثورة السورية المعارضة لبشار ، فلما استوت "اللعبة" بدأ يلوح بحربه على الإرهاب ومعركته مع داعش في الأنفاس الأخيرة ، لكن مشكلته الآن أن الحقائق أصبحت عارية ، أمام العالم كله .