الأهرام
بهاء جاهين
فرحة النصر فى قلب شاعر
أكتب هذه الكلمات فى نهاية أكتوبر, وأنت تقرؤها يا عزيزى فى مطالع نوفمبر.. ومنذ تسعين عاماً, بالتحديد يوم 30 أكتوبر 1927, وُلد فؤاد حداد شاعرنا العظيم. وفى مطلع نوفمبر 1985 غادرنا بالجسد, تاركاً لنا تراثاً هائلاً كماً وكيفاً, يحتار فيه من يريد الكتابة عن فؤاد حداد.

وبما أننا كنا نعيش روائح خريف أكتوبر المنعشة طوال الأسابيع الماضية , ونسماته التى أحيتنا من جديد فى رمضان/أكتوبر 1973؛ بالتحديد فى العاشر من رمضان/ السادس من أكتوبر الساعة الثانية ظهراً, حين فوجئنا ببيان عسكريّ مُسْكِر, وفوجيء مثلنا فؤاد حداد الذى كان ساعتها يكتب حلقات المسحراتى لذلك الموسم الرمضانى ويذيعها يومياً البرنامج العام – فوجيء بالنصر العظيم. وربما أعاد كتابة ما أعده لعشية تلك الظهيرة المجيدة لليوم العاشر من رمضان ولحنه زميله الكبير المبدع سيد مكاوي, الذى غنّى سعيداً تلك الكلمات التى كانت الحلقة الأولى من حلقات النصر الرمضانية:

مسحراتى السنة دي/ دايب من الحنية/ منقراتى بانادي/ ع القنطرة الشرقية/ أرجع فى سن ولادي/ والمركبة معدية..

أقول بما أن لدينا مسحراتى رمضان أكتوبر التى أذيعت بعض حلقاته أثناء ملحمة العبور والبعض الآخر فى رمضان أكتوبر التالى عام 1974 والمنشورة قصائده فى ديوان “كلمة مصر” ثم فى ديوان “المسحراتي” الذى ضم كل الحلقات الإذاعية التى كتبها فؤاد حداد لإذاعة البرنامج العام تحت هذا الاسم, فقد أعطانا الله جزيرة أو سفينة فى خضم بحر فؤاد حداد يمكن فى حدودها أن نكتب عن شعره بضع مئات فقط من الكلمات, خاصة وأن أكتوبر لم يشهد ميلاد النصر فحسب بل الشاعر الذى غناه أيضاً.

توالت الليالى الرمضانية العاطرة المضمخة بأريج الانتصار, وواصل فؤاد حداد تسحير السهارى المنتشين على طبلته الخضراء قائلاً:

إيه أجمل الأشجار؟ أقول النخيل/ من حد سينا يطل فوق النيل/ دراعات ولادنا لما هدوا السور/ الله أكبر يا هتاف الجيش/ أجمل علم فى الدنيا صقر قريش/ وأجمل الخيالة جيش منصور/ أجمل ما فى الدنيا/ أكتوبر اللى انتقم ليونية..

وكما هى العادة فى حلقات المسحراتى التى جمعت بين عبقريتى فؤاد حداد وسيد مكاوي, كانا يختمانها بموال, وكان موَّال هذه الحلقة التى سمّاها حداد فيما بعد “أجمل ما فى الدنيا” حين ضمها ديوان “كلمة مصر”, كان كالتالي:

يا جنة العرقانين والشمس وردية/ والخلق وردية تدخل بعد وردية/ ع الجسر كل الحبايب والمعدية/ وأمنا بين إيديها كلنا هدية/ قالت آمنت بشهيد كان يحبى فى حجري/ آمنت بالله وبدموعى اللى راح تجري/ على رمل أطيب من الزرعة المندية..

وفى حلقة “أمل إنسان”, يقول الموّال الختاميّ:

يا ليل من الحب صاحى من الشقا نعسان/ على كل طوبة ندى وشذى وأمل إنسان/ من الظلام فى الضي/ ومن العطش فى الري/ من ألف حى وحي/ من ألف عام وانا عايش فى الزمان الجاي..

هكذا كانت عقيدة فؤاد حداد الإنسانية: الإيمان بالمستقبل – وربما عقيدة جيله, جيل التحرر الوطني, فلا ننسى مثلاً أن صلاح جاهين أنهى ديوانه الأول بقصيدة عنوانها “بكرة أجمل م النهارده”. وإلى جانب الإيمان بالمستقبل هناك الإيمان بالوطن. ففى قصيدة “قوة الشهداء” من حلقات مسحراتى أكتوبر يقول فؤاد حداد:

المصرى أول سيرة الإنسان/ احنا من صخر العزيق والصبر/ واحنا من طل وندى المواويل/ زى ما اتعوّد علينا النيل/ زى ما اتعوّد علينا العطش/ يمكن خطأنا فى الزمان الطويل/ كان من سبيل الرحمة والحنية/ يصعب علينا فى يوم نفارق عيالنا/ وما جاش فى بالنا/ زى العرق: الدم يبنى البيوت..

رحم الله شهداءنا, وشاعرنا العظيم الذى دائماً ما تغنى بهم, وشاء الله أن تكون ذكراهم
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف