الجمهورية
قدرى ابو حسين
المحليات .. شهادة حق
مع مقدم موسم الشتاء وشهر نوفمبر علي وجه الخصوص يكثر الحديث عن احتمالات السيول وأماكنها ومخراتها والتعامل مع أضرارها - خلال هذه الفترة تستعيد الذاكرة تفاصيل فترة عاشتها محافظات الصعيد وعلي الأخص محافظة أسيوط التي تعرضت لسيول جارفة أصابت المحافظة من أقصاها إلي أدناها في ساعات فجر يوم 1994/11/2 الأضرار شملت 39 قرية أكثرها تضرراً قرية "درنكة" التي هاجمها السيل من منطقة الخور وكتلة السكن تقع في نهايته وعلي بداية الأراضي الزراعية في الوادي - كانت السيول من الضخامة مكتسحة كل ما حواه الخور من منشآت وعلي الأخص خزانات الوقود والعربات المحملة به التي اكتسحتها مقدمة السيول وأتت بها علي بعد كيلو مترين في الوادي علي الأراضي الزراعية وخلال حركة السيول دخل الخور واختلاط الوقود "بنزين وسولار... الخ" مع أسلاك الكهرباء التي بعثرتها السيول في كل مكان اندلعت النيران تحملها المياه إلي القرية وما بعدها.. كل ذلك في ساعات الفجر الأولي وأهل القرية نيام فاحترق وغرق 572 من أبنيتها علاوة علي تلف حوالي نصف مساكن القرية - من أقوال أحد الناجين "تصورانه في يوم الحشر" هذه صورة موجزة لما حدث وان كان الأمر يحتاج إلي كثير من التفصيل.
في هذا الموقف بالغ الصعوبة أقول إن المحافظة وأجهزتها كانت موفقة للغاية في التعامل مع الكارثة.. الكل منذ الوهلة الأولي جند نفسه للتعامل مع الموقف.. التعرف علي أصحاب الجثث وإثبات وفاة هذا العدد الضخم والترخيص بدفنهم تحسباً للتداعيات القانونية.. إنشاء معسكرات بشكل عاجل لاستضافة من تضررت منازلهم وأصبحت غير قابلة للسكن مع توفير الغذاء والرعاية الطبية كل ذلك وهناك قري متضررة ولكنها بدرجات أقل - سارت الأحداث وأذكر بالخير أهل أسيوط الذين كانوا سنداً في مواجهة الكارثة وتوابعها أيضاً أذكر بكل الخير المنظمات الدولية التي تولت هيئة "اليونيسيف" تنسيق مساهمتها. وكنا نستقبل يومياً العديد من السيارات المحملة بتجهيزات الإغاثة والخيام ومستلزمات المعسكرات واعتقد انه حتي الآن يوجد بقايا مما قدمته هذه الهيئات لكثرتها وتنوعها.
هي تجربة تحتاج إلي إعادة توثيق ليثبت للجميع ان المحليات قادرة علي مواجهة الكوارث وبكفاءة إذا ما انعقدت النية الخالصة لذلك من جميع الاطراف في هذا المقال واذكر وبمنتهي الصدق ان محافظ الاقليم في حينه المرحوم اللواء سميح السعيد وكان لي شرف المشاركة له في التصدي للمهمة طلب من رئيس الوزراء ايقاف زيارات المسئولين من القاهرة لتفقد الأحوال وعلي حد قوله نحن قادرون علي المواجهة وليس لدينا وقت لإضاعته في استقبالات.
هناك دروس أخري كثيرة مستفادة:
- ليس بالضرورة ان تتكرر السيول في ذات المكان لكن هذا لا يمنع من وضع توقعات لها وتجهيز مخراتها.
- شبكة الري "النيل - والترع" نراعي فيها مخارج للمياه عندما تفيض بحكم السيول أو غيرها تصرف تلقائيا إلي النيل وهو ما حدث يوم السيول في أسيوط والا لكانت الاضرار اضعاف ما حدث.
- النشاط الأهلي المحلي قادر علي تقديم الدعم اللازم خصوصا في المراحل الأولي للحدث.
- العلاقة الجيدة مع منظمات الأمم المتحدة والمنشطات الدولية مفيدة للغاية إذا تم تنظيمها وترتيبها.
بالطبع جري بعد ذلك إعادة بناء القري المطورة تطوعت هيئات كثيرة لاقامتها ثم انتقال الأهالي إليها.. لقد ثبت من هذه التجربة ان الأجهزة المحلية تستطيع أن تتصدي لمثل هذه الكوارث والنكبات بقدرة وكفاءة أكثر من تصدي المركزيات لها كما ثبت للجميع في احداث السيول التي وقعت بتاريخ 2/11/1994
شهادة حق من مشارك أدلي بها بمنتهي الحيدة للمسئولين بالمحليات بالمحافظات المختلفة للتصدي دون خشية لما قد يحدث.. وقانا الله شر السيول في الموسم القادم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف