الجمهورية
شكرى القاضى
نجيب سرور.. بين العبقرية والجنون
* التمسك بالثوابت في ظل غياب الحرية من الصعوبة بمكان وأكثر من يدرك قيمة الحرية هم المبدعون ولذا سوف يظل الصدام قائما بين المبدع والسلطة إلي ما لا نهاية ومخطيء من يظن ان هناك غالبا ومغلوبا في مثل هذه الصدامات فالمبدع غالبا يتسلح بثقافة المقاومة وان أعيته الحيل وبالأمس القريب فكرتنا الكاتبة الصحفية عبلة الرويني رفيقة درب أمل دنقل بأحد فروع الشجرة المثمرة للعقل المصري المبدع في تاريخنا المعاصر علي خلفية الاحتفال بالذكري التاسعة والثلاثين لرحيل الشاعر والكاتب المسرحي العبقري نجيب سرور "1932- 1987" كانت الرويني قد شاركت في احتفالية احدي دور النشر بتلك المناسبة ولكم استفزتها عبارة صادمة لمفكر مصري بارز بحجم الدكتور جابر عصفور عندما قال بالحرف الواحد: من العيب علي الدولة المصرية عدم الاحتفاء بنجيب سرور فالرجل كان أمينا عاما للمجلس الأعلي للثقافة بامتداد أربعة عشر عاما ووزيرا للثقافة أكثر من مرة وطوال تلك السنوات لم يذكر اسم نجيب سرور من قريب أو بعيد وان كانت الثقافة الجماهيرية قد قدمت العديد من مسرحياته لكن النسيان كان العنوان الأبرز لكل وزارات الثقافة منذ رحيل سرور في الأسبوع الرابع من أكتوبر عام 1978 وحتي الآن وأزعم ان الصحفي الوزير الصديق حلمي النمنم سوف يرد للرجل اعتباره.
ارتبط اسم نجيب سرور أكثر ما ارتبط بثلاثيته المسرحية الشهيرة التي قدمها المسرح المصري علي يد عدد من كبار مخرجي المسرح أمثال جلال الشرقاوي وكرم مطاوع وأعني مسرحيات: با يهبة خبرينا وآه يا ليل يا قمر - وقولوا لعين الشمس وتلك المسرحيات التي تمرد فيها سرور علي المسرح التقليدي بأبعاده الثلاثة الزمان والمكان والحدث وقال خلالها ما أراده بجسارة وعلانية فلم تكن لديه خطوط حمراء وتكمن أهمية تلك الثلاثية في تجسيدها الرائع للواقع الاجتماعي والتاريخي خلال سنوات الاحتلال الانجليزي الطوال وعندما كتب مسرحية الذباب الأزرق منددا بمجزرة الفلسطينيين في الأردن اتهم بالجنون وتم ابعاده من قاعات الدرس حيث كان أستاذا لمادتي التمثيل والاخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية ولم يتوقف العقاب عند هذا الحد فكان لابد من ايجاد مبرر وتم ايداعه بمستشفي الأمراض العصبية بالاسكندرية.
- خرج سرور من المستشفي محطما وعاد إلي القاهرة هائما علي وجهه ليواصل صراخه في الشوارع والميادين وترتفع عقيدته بالسباب وهجاء السلطات فقد كان مغرما بالخطب الحماسية وظلت نبراته العالية دون توقف وعلي الرغم من رقته المشهود بها وشفافيته الشديدة فقد أصر علي السباحة ضد التيار وكأنه يتلذذ بجلد الذات فإذا به يسير في الطرقات علي غير هدي. يمد يده للناس.. أشعث أغبر. مرقع الثياب حافي القدمين. يخشي الحانت الرخيصة ويفترش أسفلت الطرقات وينام في المحطات وأسفل الكباري وعندما شعر بقرب المنية كتب قصيدة الرحيل.. قال فيها:
صمتا صمتا يا أشجار.. صمتا صمتا يا أنهار
صمتا يا شعراء ويا أشعار.. فقد صمت القلب
الشاعر.. وكف عن النبض القيثار
آخر الكلام:
- هو محمد نجيب محمد هجرس الشهير باسم نجيب سرور من مواليد قرية اخطاب بمحافظة الدقهلية عام 1932 التحق بكلية الحقوق فور حصوله علي الثانوية العامة وقبل تخرجه بعدة أشهر قرر فجأة عدم استكمال دراسته والتحق بالمعهد العالي 1958 بامتداد خمس سنوات. اعتنق خلالها الماركسية ثم كبر بها بعد أهانة شرطي روسي في موسكو واعتدي عليه بالضرب وفي أعقاب عودته إلي مصر كتب باكورة ابداعه مسرحية التراجيديا الانسانية ثم توالي انتاجه الغزير وإلي جانب ثلاثيته المسرحية المبهرة كتب بروتوكولات حكماء ريش- نسبة إلي قهوة ريش - التي كان يجتمع فيها المثقفون والأدباء ورباعيات والكلمات المتقاطعة والشحاتين إلي جانب رواية الحكم بعد المداولة.
قد نتفق أو نختلف علي مبدع بحجم نجيب سرور لكن الفنون جنون وبين العبقرية والجنون شعرة أصر سرور علي قطعها ورفض الخضوع لسنن الكون فقد تمسك بالدنيا وتمرد علي الدين واعتقد بالماديات وتهكم علي الروحانيات وما هو بمجنون ولكنه شئنا أم أبينا قد دخل دائرة الخلود.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف